توفي سليمان القانوني سنة 974 ولا شأن للشام في عهده إلا أن تظهر شعورها بأخبار انتصاراته وغاراته، وفتح قلاعه ومعاقله التي كان يملأها بجند الانكشارية ولكي يكون له جيش دائم على استعداد للحرب كل ساعة كان يقتضي له من النفقات الباهظة ما تنوء به قوة الرعايا، كان أهل الإسلام يودون بعد تكبير رقعة الملك في آسيا أن تصح إرادة الدولة على فتح فارس وقد بدت أمارات الهرم فيها فتتصل بالهند، وذلك خير من أن تفتح المجر وتحارب إمبراطور ألمانيا وتؤلب عليها دول أوربا. ذكر ضياء باشا أن الأتراك بددوا شملهم في الحروب والقلاع والأرجاء البعيدة وجعلوا أنفسهم في أوربا وراء سور من المرابطين يقلي علمهم وتربيتهم يوماً فيوماً، وفيه أمم من الخرواتيين والبلغار والروم لم تختر ملة الإسلام، وفي آسيا العرب والأكراد والزيدية والشيعة نشئوا وكبروا ببذر الفساد الذي بذره الشاه إسماعيل، فكان الأولون خصماء للإسلام والآخرون خصوم الأتراك، كانت مناداتهم بنصر السلطان من الألسن لا من القلوب اه.
خلف السلطان سليمان ابنه سليم الثاني، وهذا لم يذكر اسمه في الشام إلا على منابرها فقط لأنه كان شريباً خميراً حتى لقب بسليم السكير وله من أعمال الخلاعة ما يخجل منه، ولم يخرج من الآستانة للغزاة، وهو أول ملك من آل عثمان تخلى عن الحراب بنفسه، ومات على سريره في قصره، على حين كان أجداده يموتون في الحرب وفي طريق الغزو والفتح. وفي أيام سليم الثاني فتحت قبرس وكانت للبنادقة وهلك وأسر من أهلها نحو ثلاثمائة ألف إنسان في بعض الروايات.
هلك سليم الثاني سنة 982 بعد أن حكم ثماني سنين وستة أشهر وخنقوا أولاده الخمسة يوم دفنه على ما جرت بذلك عوائدهم القبيحة. وفي أيامه جاء أمثال محمد الباشا الصقللي من الصدور العظام، الذي تدارك بعمله الدولة من السقوط بما قام به من الإصلاحات، وأهمها إثخانه في العصاة وأرباب الدعارة، وجاء غيره من الرجال الذين يعدهم الأتراك من العظام. ولكن الشام لم تر