إليها وهي جيش الانكشارية فهناك الخراب بلفظه ومعناه. فإن هذا الجيش الذي قدم للدولة لأول أمره خدمات جلى وفتحت به الفتوحات عاد فمحق باختلاله واعتدائه على الرعايا كل حسنة سلفت له.
ولئن خلف السلطان سليماً ابنه السلطان سليمان القانوني وهو العاشر من ملوك آل عثمان سنة 926 وكان على جانب من العقل وحب القانون، إلا أن الشام أصبحت في أيامه الطويلة التي دامت 48 سنة في معزل لأن السلطان مشغول بفتوحاته حارب اثنتي عشرة مرة وخرج في أكثرها ظافراً، فلا يهمه كأكثر أجداده وأحفاده من كل ما يفتح إلا أن تضرب السكة وتقام الخطبة باسمه وتجبى الجبايات ولا يتأخر الولاة عن إنفاذها إلى دار الملك، فكانت الشام جزءاً صغيراً بالنسبة لضخامة ملكه، فلم ينلها منه شيء من العدل والإشراف ينسيها ما لاقته في القرن السالف من التقلقل والانحلال.
وكان السلطان سليمان بطاشا كأبيه ولكن لم يشتهر شهرته، هاج مرة أهل حلب في أوائل حكمه وقتلوا في الجامع القاضي والمفتي فصدرت إرادته السنية بقتل جميع أهل حلب لولا أن كان في الصدارة إذ ذاك رجل عاقل اسمه إبراهيم باشا، فألغى هذا الأمر البربري واكتفى بقتل زعماء الثورة. وإبراهيم باشا كان على جانب من الأخلاق الحسنة والذكاء تولى الصدارة من سنة 929 - 942 أي 17 سنة وقام بإصلاحات مهمة ثم قتله السلطان وندم على قتله، ولا عجب إذا استسهل سليمان القتل فقد قتل ابنه الأكبر مصطفى وحفيده وابنه بايزيد وأولاده الخمسة على أفظع صورة.
ومن الأحداث في الشام بعد فتنة الغزالي ما وقع في سنة 927 من ثورة جماعة من عربان دمشق على النائب اياس باشا، خرج إليهم فانكسر وجرح ورد إلى دمشق وهو مكسور وقتل من عساكر دمشق كثير ومن عربان نابلس أيضاً، وكانت فتنة بدمشق. وفي سنة 928 كان مقتل حسن وحسين أولاد الأمير عساف في بيروت، وذلك لما كان من الاختلاف بينهما وبين أخيهما الأمير قائد بيه على الحكم فتوسط بينهما حتى طلبا الصلح ونزلا على أخيهما قائد بيه