والسلافي بحب لغته وقوميته وهو ابن أُمة عظيمة.
ليست العربية من اللغات الميتة حتى يزهد بعض أبنائها فيها. بل هي لغة سبعين مليونا من البشر نازلين في أجمل أقطار الأرض في إفريقية وآسيا، ولسان ديني لثلاثمائة وخمسين مليونا من المسلمين. ولسنا معاشر أهلها دون أرقى أُمم الحضارة الحديثة بعقولنا وذكائنا فتاريخنا موضع الدهشة على توالي الأحقاب، وإنا إذا عرانا بعض الضعف فقصرنا عن اللحاق بالسابقين، لا نلبث بتماسكنا وتفانينا بحب قوميتنا ولغتنا أن نساوي غيرنا قريبا. وكم من أمم عراها أكثر مما عرانا من ضعف الملكات، وضياع المقدسات والمشخصات، فنفضت عنها غبار الخمول يوم صحت إرادتها على أن لا تموت بصنعها، وقامت تجادل وتجالد في معترك المدنية فأتت بالعجب العجاب.
نحن أهل الشام أُمة واحدة، ولا خير لأبناء الوطن الواحد إلا من أنفسهم. فقد نزح عنا منذ سبعين سنة إلى أميركا وغيرها نحو مليون من أبنائنا وما زلنا معاشر السواد الأعظم هنا نهتم لهم أكثر من اهتمامنا لأمة لا تربطنا بها جامعة اللسان والجنس. وهم على شاكلتنا يهتمون ببلادهم ولغتهم وما يقوّمها. وما ننس لا ننس يوم كانت اللغة العربية يحفظ تراثها في الأعصر الأخيرة في بيع لبنان وأدياره، أكثر من حفظه في جوامع دمشق وحلب ومدارسهما، ويوم كان في اللبنانيين الغيورون على مجدها العالمون بما يصلحها الساعون إلى نشرها.
لا يفلح قوم لا يتساندون. وكل شعب وضع قوميته في الذروة العليا من الكرامة يوقَّر ويبجَّل. ومن لي يوم الكريهة غير حمى أخي وجاري ألجأ إليه. المرءُ كثير بأخيه. ولن تضام أُمة عرفت نفسها. نحن عرب قبل أن نكون مسيحيين ومسلمين، نحن شاميون قبل أن نكون أُمويين وعباسيين وسلجوقيين وعثمانيين.
سعادتنا مناط الاحتفاظ بأصولنا، ولا تمثلنا إلا قوميتنا، وأعظم قوة لها لغتنا، والسلام.