على حين كانت اللغة اللاتينية تنتشر في أرجاء الغرب انتشارا هائلا.
وبعد انقراض دولة الحثيين في القرن الثامن قبل الميلاد عم اسم آرام بلاد الشام، فأصبح القسم الأكبر منها يسمى آرام، وسكانها يدعون بالآراميين وهم الذين اختطوا حلب أو حلبون وعادت اللغة الآرامية إلى شيوعها في جهات حلب تمازجها اللهجة البابلية بدليل ما يشاهد في أرجائها من أعلام الأمكنة التي ما زالت تلفظ على أصلها بالفتح إلى اليوم، وسادت اللغة اليونانية بظهور الدولة السلوقية وكانت لغة الخاصة والعلماء ورجال الدولة. ولما تقلص ظلها عادت السريانية إلى ازدهارها يخالطها فرعها التدمري الذي انتشر إذ ذاك في سورية الشمالية على عهد سيادة تدمر في صدر النصرانية. ومن الأقلام التي بقيت في لبنان الكتابة الكرشونية وهي عربية بأحرف سريانية وقد كتب كثير من كتب الموارنة بالكرشوني.
هذا ما كان من أمر اللغات السامية واللاتينية واليونانية في الشام. أما اللغة العربية فكان يتكلم بها قبل الفتح الإسلامي بزمان طويل لما ثبت من انتشار الغسانيين والتنوخيين والنبطيين والسبأيين وغيرهم في الشمال والجنوب وكانت حوران والبلقاء والشراة من الأصقاع التي سبقت غيرها في هذه السبيل. بدليل ما يشاهد من أسماء بعض قراءها العربية مثل جرش، جاسم، تبنة، أذرعات، أذرع، محجة، السويداء، البتراء، نجران، القسطل، القناطر، الحفير، الخ وذلك لأن هذه الأقاليم الثلاثة كانت أقرب إلى الاتصال بالعرب من الجنوب. وكان السابقين إلى نشر
العربية في ديارنا الوثنيون من العرب أولا ثم نصارى العرب ويرجع إليهم الفضل في نشرها بادئ الأمر، فلم تلبث اللغة ستين أو سبعين سنة للفتح الإسلامي أن عم انتشارها في الشام ونقلت الدواوين زمن عبد الملك من اليونانية إلى العربية ونازعت اللغة العربية السريانية فبذتها على صورة مدهشة، وإن كان الضعف قد دب في هذه قبل الإسلام. وتغلبت العربية لغناها وسلاستها وضبط قواعدها وشدة احتياج الناس إليها في مصالحهم. قال ابن خلدون: ولما