وقال مؤرخو لبنان: إن الكسروانيين والجرديين نزلوا من الجبال لنجدة الفرنج في طرابلس وقتلوا من عسكر السلطان خلقاً كثيراً فبرز الأمر من حسام الدين باستئصالهم. ومن ذلك الوقت خربت كسروان والذين سلموا من أهلها تشتتوا في كل صقع. قالوا: ومن جملة أوامر حسام الدين إلى أمراء غرب بيروت التنوخيين إذا توجهوا إلى كسروان وجرده بجموعهما، أن كل من سبى امرأة منهم كانت له جارية، أو صبياً كان له مملوكاً، ومن أحضر منهم رأس رجل فله دينار. وذكروا أن الخراب استولى على الأقطار الشمالية بسبب تقلقل أحوال ملوك مصر والشام، والحروب الثائرة مع التتر من جهة ومع الفرنج من أخرى، فكان الناس يرغبون في سكنى الجبال العالية الصعبة المسالك وقدم إلى جبل لبنان في ذلك الحين خلق كثير ومنهم أهل وادي التيم وخلا هذا الوادي من السكان خمسة أعوام ولم يكن فيه بلد عامراً سوى حاصبيا وكذلك البقاع. ثم عاد الناس وعمروا بعض القرى في جبل حاصبيا فقط.
توفي المنصور قلاوون 689 وكان ملكاً مهيباً حليماً قليل سفك الدماء كثير العفو، شجاعاً أقام منار العدل وأحسن سياسة الملك أحسن قيام وفتح الفتوح الجليلة التي لم يجسر أحد من الملوك مثل صلاح الدين وغيره على مثلها وهو الذي وطد حكم المماليك على الشام وأصلح كما في المعلمة الإسلامية بالتدريج ما أحدث المغول فيه من التخريب، وقام بأعمال مهمة من مثل ترميم قلعة حلب وبعلبك ودمشق. وهو الوحيد من ملوك المماليك الذين تسلسل الملك في أعقابهم وألفوا دولة فإن أعقابه حكموا إلى سنة 783هـ 1382م خمسة بطون. وقد عقد معاهدات مع الدول التي يخشى بأسها ويمكن الانتفاع بحسن الصلات معها، مثل المعاهدة التجارية مع جمهورية جنوة ومعاهدة دفاعية مع الملكين الفونس ملك قشتاله وجاك ملك صقلية. وعقدت هدنة بين الملك المنصور قلاوون الصالحي وولده الملك الصالح علي ولي عهده وبين حكام الفرنج بعكا وما معها من بلاد سواحل الشام في شهور سنة اثنتين وثمانين وستمائة وهي يومئذ بأيديهم لمدة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر