حين كانت بيدها لمدة عشر سنين متوالية على أن يكون جميع المترددين من بلاد الملكة إلى بلاد الظاهر وبالعكس آمنين مطمئنين على نفوسهم وأموالهم وبضائعهم براً وبحراً ليلاً ونهاراً، وعلى أن الملكة لا تمكن أحداً من الفرنج على اختلافهم من قصد مملكة السلطان من جهة بيروت وما إليها، وتمنع من ذلك وتدفع كل متطرق بسوء وتكون الأقاليم من الجهتين محفوظة من المتجرمين المفسدين. وعقدت هدنة بين الظاهر وولده الملك السعيد وبين الفرنج الاسبتارية على قلعة لدّ في سنة تسع وستين وستمائة على أن تكون قلعة لدّ والجهات المذكورة إلى آخر الزائد للملك الظاهر ولا يكون لبيت الاسبتار ولا لأحد من الفرنجة فيها تعلق ولا طلب بوجه ولا سبب.
وعقد محالفات مع الملك مانفريد دي هوهانستوفن، ثم عقد محالفة مع شارل دانجو وجاك داراغون والفونس دي كاستيل، وعقد معاهدة مع ميشل باليولوغ الرومي الذي طرد الصليبيين، وكانت له صلات حسنة مع ملوك السلاجقة في
آسيا الصغرى ومع صاحب اليمن. ثم إن الظاهر رأى في الصليبيين أشد الأعداء خطراً على المملكة واستفاد من تفرق كلمتهم وكان المدد الذي يأتيهم من أوروبا قد ضعف، وكان في موت شارل التاسع إنقاذ بيبرس من أعظم خصومه من الفرنج، وهكذا فإن الظاهر ظلّ ظافراً بجميع أعدائه، ولم يتوقف عن شيء لبلوغ غايته، وكثيراً ما كان يعد وعوداً كاذبة ويكتب كتباً مزورة ليحمل فيها قواد الحصون على الاستسلام له، وكان نجاحه مناط قريحته في التنظيم وسرعته وشجاعته المتناهية، وكان البريد يدور ويروح في المملكة بسرعة حتى ليصل الخبر من مصر للشام في ثلاثة أيام وكان أسعد سلطاناً من سلاطين المماليك وأقدرهم. وروى شمس الدين سامي أن السلطنة الإسلامية صارت ذات بهاء في أيامه وأنه مات مسموماً بدمشق.
كان الظاهر قد حلف العسكر لولده بركة بن بيبرس ولقبه الملك السعيد وجعله ولي عهده إلا أنه خبط وخلط وأراد تقديم الأصاغر على الأمراء الأكابر ففسدت نيات الكبار عليه وقرروا خلعه من السلطنة، بعد أن دخل سيس 677 وشن الغارة عليها وغنم، فحصره العسكر في قلعة الجبل بالقاهرة فخلع نفسه على أن يعطى الكرك فأجابوه إلى ذلك فلحق بها وهلك بعد قليل.