لدولته نواجذ الشر، فخرب ديارهم وأباد خضراءهم وغضراءهم. وكان ملكاً جليلاً شجاعاً عاقلاً مهيباً وصل إلى الملك بقتل آخر ملوك بني أيوب، وما زال يتدرج في مراتب القوة حتى ملك الديار المصرية والشامية وفتح الفتوح الجليلة. أصله مملوك قبجاقي الجنس وقيل برجعلي وكان ذا همة شماء يتنقل في ممالكه فلا يكاد يشعر به عسكره إلا وهو بينهم، ولولا أنه جد في قتال الصليبيين لما كفّر عما أتاه من قتل ابن أيوب، وبنو أيوب أحبهم الناس على علاتهم لغناء أكثرهم في خدمة الملة والدولة.
ترجم سوبرنهايم في المعلمة الإسلامية للظاهر بيبرس بقوله: إنه كان السبب بتوسيد ملك الشام إلى قطز لما أبلى البلاء الحسن في وقعة عين جالوت فأقطع قطز الأمراء من بني أيوب الإقطاعات التي كانت لهم قبل غارات المغول، ولكن بيبرس الذي كان يرجو أن توسد إليه حلب مكافأة على شجاعته لم ينل شيئاً فعزم على الانتقام لنفسه من هذا الظلم، فقتل السلطان في الصيد ونادى به زعماء الجند وغيرهم سلطاناً، وكانت المملكة المصرية والشامية محاطة من كل جانب بالأعداء: في الشمال ملك أرمينية المسيحي، وفي الغرب الصليبيون ينزلون على جميع شاطيء الشام، وفي الداخل الحشيشية الإسماعيلية الأشداء، ومن الشرق المغول الطامعون في الغنائم والانتقام، وفي جنوبي مصر أهل النوبة المجاربون،
وفي الغرب البربر الصعب قيادهم، وكان يخشى أن ينجم له ناجم في الداخل من بني أيوب ويسمو إلى السلطنة، فيجد على دعوته أنصاراً على أيسر وجه، فرأى أن يبايع لأحد ذرية بني العباس بالخلافة بعد أن قرضها المغول من بغداد، فتوفق إلى ذلك وبايع له في مصر، لأن من مصلحته أن يظهر أمام العالم الإسلامي بأنه حامي الخلافة، وبذلك أصبح له نفوذ على حكومات مكة والمدينة، وعرف كيف يداري معظم أمراء الفرنج الشرقيين.
هادن الظاهر الاسبتار بحصن الأكراد والمرقب سنة خمس وستين وستمائة لمدة عشر سنين متوالية وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات على أن يكون النصف من غلات قرى جميع المملكة الحمصية والشيزرية والحموية وبلاد الدعوة للملك الظاهر، والنصف لبيت الاسبتار. واستقرت الهدنة بين الملك الظاهر بيبرس أيضاً وبين ملكة بيروت في سنة سبع وستين وستمائة