فيخدمنه مقابل ذلك بخدمات مهمة ويتجسسن له على قومهن. وكان صبوراً حليماً يسمع ما يكره ويغضي عنه، واتته السعادة واتسع ملكه وكثرت ذريته وخلف ستة عشر ذكراً عدا البنات، ورأى في أولاده ما يحب ولم ير أحد من الملوك الذين اشتهرت أخبارهم في أولاده من الملك والظفر ما رآه الملك العادل في أولاده وقد خلف آثاراً مهمة في الولايات التي تولاها، لا يزال بعضها ماثلاً وطهر جميع ولاياته من الكرخ إلى همدان والجزيرة والشام ومصر والحجاز واليمن من النساء والخمور والخواطي والقمار والمخانيث والمكوس والمظالم، وكان الحاصل من هذه الجهات من دمشق على الخصوص مائة ألف دينار. واستمتع العادل بالملك وخدم الدولة خدمة طيبة، وساعده على ذلك ضعف الصليبيين عن الحرب بعد إيقاع أخيه بهم وتشتت كلمة أبناء صلاح الدين.
ولما هلك العادل لم يكن عنده أحد من أولاده حاضراً فحضر إليه ابنه المعظم عيسى وكان بنابلس وكتم موته، وأخذه ميتاً في محفة وعاد به إلى دمشق، واحتوى المعظم على جميع ما كان لأبيه من الجواهر والسلاح والخيول وغير
ذلك، وكان في خزائنه سبعمائة ألف دينار، وحلف له الناس وكتب إلى الملوك من اخوته وغيرهم يخبرهم بموته، ولما بلغ الكامل موت أبيه وهو في قتال الفرنج عظم عليه جداً واختلفت العساكر عليه، فتأخر عن منزلته، وطمعت الفرنج ونهبت بعض أثقال المسلمين، وكان في العسكر عماد الدين المشطوب وكان مقدماً عظيماً في الأكراد الهكارية، فعزم على خلع الملك من السلطنة، وحصل في العسكر اختلاف كثير، حتى عزم الكامل على اللحوق باليمن. وبلغ المعظم ذلك فرحل من الشام ووصل إلى أخيه الكامل وأخرج عماد الدين ونفاه من العسكر إلى الشام فانتظم أمر الكامل، وقويت مضايقة الفرنج لدمياط وضعف أهلها بسبب الفتنة التي حصلت في عسكر الكامل من ابن المشطوب.
وكان العادل قد قسم المملكة في حياته بين أولاده فجعل بمصر الكامل محمداً وبدمشق والقدس وطبرية والأردن والكرك وغيرها من الحصون المجاورة لها ابنه المعظم عيسى، وجعل بعض ديار الجزيرة وميافارقين وخلاط وأعمالها