قال. وهذا أكبر دليل على حرصه على رجاله وإيقانه أن الدولة لا تقوم إلا بأمثال الوزير الشهرزوري.
وكانت لعماد الدين عناية بأخبار يتنشّدها ويغرّم عليها الأموال الطائلة، فيقف على أخبار الملوك ساعة بساعة، وإذا جاءه رسول لا يمكنه من الحديث مع أحد الرعية لئلا ينتشر الخبر في البلد. وكان يفرق الأموال في القلاع والبلدان فلا يجعلها في مكان واحد ويقول: إذا كانت الأموال في موضع واحد وحدث حادث وأنا في موضع آخر وذهبت لم انتفع بها، وإذا كانت متفرقة لم يحل شيء بيني وبينها رجعت إلى بعضها. وكانت المملكة قبل أن يملكها خراباً من الظلم وتنقل الولاة ومجاورة الفرنج فعمرها وامتلأت أهلاً وسكاناً، وقبل أن يجيء زنكي إلى الشام اشتدت صولة الصليبيين واتسعت مملكتهم من ناحية ماردين وشيحان إلى عريش مصر وانقطعت الطرق إلى دمشق إلا على الرحبة والبر، وجعلوا على كل بلد جاورهم خراجاً وإتاوة يأخذونها منهم ليكفوا أذيتهم عنهم. وكان مهيباً شديد الوطأة على من يعبثون بحياة الأمة. بلغه أن بعض الولاة تعرض لامرأة فقلع عينيه وجب مذاكيره فخاف الولاة وانزجروا، وكان شديد الغيرة ولا سيما على نساء الأجناد. وكان يقول: إن لم تحفظ نساء الأجناد وإلا فسدت لكثرة غيبة أزواجهن في الأسفار. ترجمة العماد الكاتب بقوله: كان زنكي ابن آق سنقر جباراً عسوفاً، بنكباء النكبات عصوفاً، نمري الخلق، أسدي الحنق، لا ينكر العنف، ولا يعرف العرف، قد استولى على الشام من سنة 522 إلى أن قتل في سنة 541 وهو مرهوب لسطوه اه. وبعض هذه الصفات تنزهت منها نفس ابنه نور الدين محمود وهذا الرجل الذي كان ينتظر لإنقاذ الشام مما حل به من الويلات، فإنه جمع الصفات الحسنة في أبيه وتجرد عن الصفات الرديئة فيه.
كان نور الدين في قلعة جعبر يوم مقتل أبيه عماد الدين بيد المماليك فسمي الشهيد، فأخذ في الحال خاتمة وهو ميت من إصبعه وسار إلى حلب فملكها، وأرسل كبراء دولة زنكي إلى ولده سيف الدين غازي بن زنكي يعلمونه الحال
وهو بشهرزور، فسار إلى الموصل واستقر في ملكها. قال ابن عساكر: وسير نور الدين الملك آلب أرسلان بن السلطان محمود بن محمد إلى الموصل مع جماعة من أكابر دولة أبيه وقال لهم: إن وصل أخي سيف الدين غازي إلى الموصل فهي له، وأنتم في