وعمل بالسلاح والكراع، وعمل بالخطط العسكرية والخدع الحربية، وقت كله جد في جد، وإلا فالعدو يتقدم، والإسلام يهلك ويعدم، وعمل عظيم كهذا متوقف على قيام زعيم كبير يلتف الناس حوله عن رضى، ويجذب قلوبهم بصالح أعماله لا ببهرج مقامه ولطف مقاله، ويبهرهم بلامع إخلاصه، لا ببريق الذهب على كرسيه وتاجه.
بدأ العقد الرابع من القرن السادس وفيه قتل عماد الدين زنكي على قلعة جعبر بيد جماعة من مماليكه. وكانت صفاته صفات حربية راقية اشتهر بشجاعته ونجدته، اشتهاره ببطشه وشدته، وكان يحب التوسع في الملك والذَّب عن حوزة الإسلام، ويدرك بثاقب نظره أن الأعداء محيطة بمملكته لا ينجيها منهم إلا القضاء على إحدى إماراتهم في الرُّها وما إليها، ولا يتقى بأسهم بمناوشات وحروب تستصفى معها بعض القلاع والحصون ثم يستعيدونها وبالعكس، وما دامت دمشق لم تدخل في سلطانه لا يقوى ملكه بالشام الإسلامية مع ملكه الموصل على ردّ عوادي الدهر ودفع غوائل العدو. توفرت في شخصه شروط التوسع في الملك، وعرف إدارة الممالك بالعمل ورثها من أبيه آق سنقر وبذَّه فيها، فكان مربياً فاضلاً شهماً مشهوداً له بذلك، دفع إليه السلطان محمود لما تولى الموصل ولديه آلب أرسلان وفروخ شاه المعروف بالخفاجي ليربيهما فلذا قيل له أتابك.
ومن صفات عماد الدين أنه كان ينهى أصحابه عن شراء الملك ويقول: إن الأقطاع تغني عنها، ومتى كانت البلاد لنا فلا حاجة إليها، ومتى ذهبت البلاد منا ذهبت الأملاك معها، ومتى كان لأصحاب السلطان مِلك تعدوا على الرعية وظلموهم، على حين كانت الاقطاعات في عهده للأمراء والقواد وأرباب الدولة شائعة غير منكرة عند المسلمين وعند الصليبيين في هذه الديار. قيل للشهيد أتابك زنكي: إن هذا كمال الدين بن الشهرزوري يحصل له في كل سنة منك ما يزيد على عشرة آلاف دينار أميرية وغيره يقنع منك بخمسمائة دينار. فقال لهم: بهذا العقل والرأي تدبرون دولتي؟! إن كمال الدين يقلُّ له هذا القدر وغيره يكثر له خمسمائة دينار. فإن شغلاً واحداً يقوم به كمال الدين خير من مائة ألف دينار. وكان كما