يبلغهم حادث في المسلمين يغيرون خططهم الحربية، وبالطبع كانوا يستخدمون لذلك أناساً من أبناء نحلتهم من الأرمن وغيرهم، وربما كان للمسلمين أيضاً شأن في ذلك طمعاً في مال أو انتقاماً من سلطان، ولعل الصليبيين وفقوا إلى إمساك بعض ما كان ملوك الطوائف، يطيرونه من حمام الزاجل، ويحلون البطائق الصادرة عن بعض الأمراء والقواد، فتنكشف لهم أسرار خصومهم. فقد ذكر المؤرخون أن صاحب إنطاكية الصليبي أرسل إلى عز الدين مسعود صاحب حلب يخبره بقتل والده قسيم الدولة آق سنقر البرسقي صاحب الموصل بيد الباطنية قبل أن يصل إليه الخبر، وكان قد سمعه الفرنج قبل لشدة عنايتهم بمعرفة الأحوال الإسلامية.
ولقد آخذ المؤرخون الدولة الفاطمية على تهاونها في الغزو والجهاد حتى روى ابن تغري بردي، أن الآمر كان يتناهى في العظمة ويتقاعد عن الجهاد، حتى استولت الفرنج على غالب السواحل وحصونها في أيامه، ولئن كان وقع لأبيه المستعلي أيضاً فأخذ القدس في أيامه، فإنه اهتم لقتال الفرنج وأرسل بدراً الجمالي بالعساكر فوصلوا بعد فوات الوقت أما الآمر فإنه لم ينهض لقتال الفرنج البتة، وإن كان أرسل مع الأسطول عسكراً فهو كلا شيء. قال: ولم ينهض أحد من المصريين
لقتال الفرنج لما دخلوا الشام، فعلمت الفرنج ضعف من بمصر، وظهر عدم اكتراث أهل مصر بالفرنج من كل وجه. الأول من تقاعدهم عن المسير في هذه المدة الطويلة، والثاني لضعف العسكر الذي أرسلوه مع أسطول مصر، ولو كان لعسكر الأسطول قوة لدفع الفرنج عن البحر، والثالث عدم خروج الوزير الأفضل بالعساكر المصرية كما كان فعل والده بدر الجمالي في أوائل الأمر، هذا مع قوتهم من العساكر والأموال والأسلحة.
ويغلب على الظن أن الفاطميين دهشوا لغزو الفرنج الشام ولم يريدوا أن يثيروا حفائظهم لئلا يحصروا وكدهم بفتح دار ملكهم، وفتح مصر أسهل من الشام، لأنها سهول ليس فيها حصون طبيعية، وأفضل للبيت