كثيرة عقد الصلح بين الخليفة العباسي وبين هارون سنة 286، فبقيت حلب للخليفة وما زالت الدولة بالفعل بالشام ومصر لبني طولون وبالاسم لبني العباس حتى سنة 292، وقد بعث المكتفي العباسي، مع محمد بن سليمان جيشاً فاستولى على دمشق، ثم سار إلى مصر وذبح بني طولون وهم عشرون إنساناً، ذبحهم بين يديه هم وقوادهم كما تذبح الشياه، وأشخص من أبقى عليه من آلهم وقوادهم إلى بغداد، فانقرضت بذلك الدولة الطولونية.
لا جرم أن روح الطولونيين هي روح العباسيين تطورت بتطور الأقطار التي استولوا عليها. وعلى كثرة ما بذل الطولونيون من أسباب التقرب من خلفاء بغداد لم يسكت العباسيون عنهم. تقربوا إليهم بالصهر والأموال والطاعة فلم يرضوا عنهم. ولما قوي جيش العباسيين قرضوهم وقتلوا قوادهم. وفي استيلاء الطولونيون على الشام شعرت الأمة أنها مستقلة عن العباسيين، وأن في
استطاعتها إذا جهزت لها جيشاً عظيماً كجيش أحمد ابن طولون وابنه خمارويه أن تستقل، لأن قوة بني العباس لم تعد كما كانت، بمعنى أن ابن طولون هتك ستر الخلافة، فطمع فيها عمال الأطراف. والدولة الطولونية دولة عمران، عمرت الأرجاء في أيامها، ورأت مصر والشام أنهما إذا ألفتا حكومة واحدة تصبحان دولة قوية يرهب بأسها. وقد أكثر الشعراء من رثاء الدولة الطولونية ومما قاله بعضهم:
فمن يبك شيئاً ضاع من بعد أهله ... لفقدهم فليبك حزناً على مصر
ليبك بني طولون إذ بان عصرهم ... فبورك من دهر وبورك من عصر