الجند سببا في قوته وسلطانه فأخذ ملك الروم يهاديه ويطلب رضاه لاتساع مملكته ومكانتها بين مملكة الشرق ومملكة الغرب الإسلاميتين، ولم يلبث أحمد بن طولون أن أخذ على الجند والشاكرية والموالي وسائر الناس البيعة لنفسه، على أن يعادوا من عاداه ويوالوا من والاه ويحاربوا من حاربه من الناس جميعاً. وانفرد بخراجها، وأدرك رجال السياسة في بغداد أن ابن طولون التركي لم يقضِ على دولة سيما الطويل التركي حباً بسواد عيون الخلفاء، بل ليستأثر بالأمر دونهم عندما تسنح الفرص.
وكان ابن طولون لعدله وحسن سياسته يفضله الناس على بعض الخلفاء، وفي الحق أنه كان على جانب من العدل، وحسن السيرة، وعلو الهمة وبعد النظر، والتفكر في عمران مملكته حتى زاد خراجها، وكان هديه في ذلك هدي المعتصم العباسي، وكان هذا يحب العمارة ويقول إن فيها أموراً محمودة أولها عمران الأرض التي يحيى بها العالم، وعليها يزكو الخراج، وتكثر الأموال، وتعيش البهائم، وترخص الأسعار، ويكثر الكسب، ويتسع المعاش، وكان يقول لوزيره محمد بن عبد الملك: إذا وجدت موضعاً متى أنفقت فيه عشرة دراهم جاءني بعد سنة أحد عشر درهماً فلا تؤامرني فيه. فاستعان ابن طولون بما تدر عليه مصر من الخراج على تقوية سلطانه وكثرت صدقاته، وما يجريه على القراء والفقهاء، حتى كان يرسل كل سنة مائة ألف دينار لفقراء بغداد عدا كساوي الصيف والشتاء وعدا ما يرسل به إلى الثغور وإلى الحرمين.
وجاء المعتضد إلى الخلافة وهو من أعقل خلفاء العباسيين فعرض عليه أبو الجيش خمارويه بن طولون أن يصهر إلى ولي عهد الخلافة ويزوجه ابنته قطر الندى، فقال الخليفة: بل أنا أتزوجها وقال: ما قصدت بهذا الزواج إلا إفقار بني طولون لأنهم يضطرون أن يجهزوها بجهاز لم تجهز به عروس من قبل، وكان
الأمر كما قال، فإنها جهزت بما استفرغ خزائن صاحب مصر والشام. قيل: إنه كان في جهازها ألف هاون ذهبا. . وكانت قطر الندى من أجمل بنات عصرها، وأكثرهن أدباً وفضيلة. وقد عقد لها على المعتضد سنة 281 وشرط المعتضد على أبيها أن يحمل كل سنة بعد