وكلما اعتمد خلفاء بني العباس على الأعاجم، في ولاية عمالاتهم ومقاطعاتهم وقيادة جيوشهم، كانت الدولة العباسية تقترب من الانقراض، فسدت عصبية العرب كما قال ابن خلدون في بني العباس لعهد دولة المعتصم وابنه الواثق، لاستظهارهم بالموالي من العجم والترك والديلم والسلجوقية أي التركمان وغيرهم،
ثم تغلب الأولياء على النواحي، وتقلص ظل الدولة، فلم تكن تعدو أعمال بغداد حتى زحف إليها الديلم وملكوها وصار الخلائف في حكمهم. وقال المقريزي: اختص المعتصم الأتراك ووضع من العرب وأخرجهم من الديوان وأسقط أسماءهم ومنعهم العطاء، وجعل الأتراك أنصار دولته وأعلام دعوته، وكان من عظمت عنده منزلته قلده الأعمال الجليلة الخارجة عن الحضرة، فيستخلف على ذلك العمل الذي تقلده من يقوم بأمره ويحمل إليه ماله ويدعى له على منابره كما يدعى للخليفة، وقصد المعتصم ومن بعده من الخلفاء بذلك العمل مع الأتراك محاكاة ما فعله الرشيد بعبد الملك بن صالح والمأمون بطاهر بن الحسين، ففعل المعتصم مثل ذلك بالأتراك فقلد اشناس، وقلد الواثق إيتاخ، والمتوكل بغا ووصيف، وقلد المهتدي أماجور وغير من ذكرنا من أعمال الأقاليم، فضعفت الدولة العباسية بعد الاستفحال، وتغلب على الخليفة فيها الأولياء والقرابة والمصطنعون، وصار تحت حجرهم من حين قتل المتوكل فتغلب على النواحي كل متملك.
وكان من أهم من فتوا في عضد الخلافة أحمد بن طولون في مصر والشام، وكان في ظاهره يظاهر الخليفة، فهو أول متغلب ظفر حقيقة بالانفراد بالسلطة، فما وسع العباسيين إلا مصانعته بعد أن حاولوا محاربته فعجزوا، كانت ديار مصر قد أقطعها بايكباك من قواد الأتراك وكان مقيماً بالحضرة أي في عاصمة الملك فاستخلف بها من ينوب عنها، وكان طولون والد أحمد بن طولون أيضاً من الأتراك ومن أنسبائه، وقد نشأ بعد والده على طريقة مستقيمة، وسيرة حسنة، فالتمس بايكباك من يستخلفه بمصر فأشير