قطر هذه مواهبه قامت فيه في الأزمان الغابرة النصرانية واليهودية. وانبعث من أرجائه مجد الإسلام، فكان مباءة أول دولة عربية إسلامية، ثم آوى إليه الشيع الغريبة من النحل والمذاهب التي لا مثيل لها في غيره، كالدرزية والإسماعيلية والنصيرية والسامرة بل معظم المذاهب الإسلامية والنصرانية والإسرائيلية وتبلغ سبعة عشر مذهبا وجملة من العناصر القوية ذات المدنية التي استحالت عربا.
رأى الشام طلعة موسى وعيسى من النبيين، والإسكندر وابن الخطاب وخالد بن الوليد وموسى بن نصير ونور الدين وصلاح الدين وسليم وإبراهيم من الفاتحين.
وعمر بن عبد العزيز والمأمون وابن تيمية من المجددين. وبختنصر وهولاكو وجنكيز وغازان وتيمور من المخربين، وقلَّ في الممالك كما قال كورتيوس ما اندمج فيه كثير من التواريخ في بقعة ضيقة كهذه.
الشام مهوى أفئدة الشعوب النصرانية واليهودية، ومجاز حجاج المسلمين إلى الأماكن الطاهرة القدسية والحجازية، بل نقطة الاتصال القريبة بين آسيا وأفريقيا وآسيا وأوروبا، بل بين القارات الثلاث القديمة آسيا وأوروبا وإفريقية، وأجمل مصيف ومشتى للأقطار الحارة المجاورة كالحجاز والعراق ومصر. والشام في أواسط الأقطار التي يتكلم أهلها بالعربية وهو بلد الخيال والشعر، والهمم العلياء واستقلال الفكر، وأرضه أبدا باسمة طرة كسمائه:
مصحة أبدان ونزهة أعين ولهو نفوس دائم وسرورها مقدسة جاد الربيع بلادها ففي كل أرض روضة وغديرها.