مسلمة قتالاً شديداً وكثرت الجراحات في الفريقين، وانصرف ابن بيهس وخاف القيسية على أنفسهم، وذهبوا إلى ابن بيهس وأحكموا الأمر معه، وصبح دمشق بالخيل والرجالة والسلالم، ونشب القتال وصعد أصحاب ابن بيهس السور بناحية باب كيسان فلم يشعر بهم أصحاب مسلمة، واستولى ابن بيهس على دمشق لعشر خلون من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة، ولم يزل يحارب أهل المزة وداريا وبيت لهيا إلى أن صالحه أهل بيت لهيا، وأقام على حرب أهل المزة وداريا وهو مقيم بدمشق أميراً متغلباً عليها، إلى أن قدم عبد الله بن طاهر دمشق سنة ثمان ومائتين وخرج إلى مصر ورجع إلى دمشق سنة ست عشرة ومائتين، وحمل ابن بيهس معه إلى العراق. وولى الأمين 196 عبد الملك بن صالح بن علي على الشام، وأمره بالخروج إليها. وفرض له من رجالها جنوداً يقاتل بها طاهراً وهرثمة. وعبد الملك هذا هو الذي كان يقول في أهل الشام: قوم قد ضرستهم الحروب وأدبتهم الشدائد، وإن أهل الشام أجرأ من أهل العراق، وأعظم نكاية في العدو. ووقعت فتنة في عسكره بين الخراسانيين وأهل الشام وكثر القتل، وأظهر عبد الملك النصرة للشاميين، وانتصر الحسين بن علي للخراسانيين وتنادى الناس بالرجوع، فمضى أهل حمص وقبائل كلب فانهزم أهل الشام واتصلت الحروب 198 بين سكان الشام وجماعة العباسيين، وكان يعقوب بن صالح الهاشمي يحارب الحاضر حاضر حلب، فلم يبق منهم وافترقوا أيدي سبا، فصار أكثرهم إلى مدينة قِنَّسْرين، وضرب يعقوب الحاضر وكان فيه عشرون ألف مقاتل.
وذكر المسعودي أن عبد الملك بن صالح توفي بالرقة سنة 197، وكان العامل على الجزيرة وجند قنسرين والعواصم والثغور، واضطربت البلدان بعد وفاته، وتغلب كل رئيس قوم عليهم، وصار الناس حزبين، حزب يظاهر بمحمد، وحزب يظاهر بالمأمون، فلم يبق بلد إلا وفيه قوم يتحاربون، لا سلطان يمنعهم ولا شيء
يدفعهم. ولما أفضت الخلافة إلى المأمون كان بقورس وما والاها من كور العواصم العباس بن زفر الهلالي، وبالحيار وما والاها من كور قِنسرين عثمان بن عثامة العبسي،