قوموا بايعوا مهدي الله. وكان يفتخر بقوله: أنا ابن شيخي صفين يعني عليّاً ومعاوية، لأنه كان ينتسب لبني أمية من جهة أبيه ولآل أبي طالب من جهة أمه، وكان أكثر أصحابه من كلب، وتعصب له اليمانية، وقاومه القيسية فنهب دورهم وأحرقها وقتلهم وفتك بأهل دمشق، وطرد منها سليمان بن أبي جعفر المنصور عاملها بعد حصره إياه،
وكان عامل الأمين عليها، فلم يفلت منها إلا بعد اليأس، وأعانه الخطاب بن وجه الفُلس مولى بني أمية، وكان قد تغلب على صيدا، وقاومه محمد بن صالح بن بيهس الكلابي فخرج إلى قرية الحرجلة، فقتل من ظفر به من بني سليم ونهبها وأحرقها، وجعل يطلب من بدمشق من القيسية. وكان القرشيون وأصحابه من اليمن يمرون بالدار من دور دمشق فيقولون: ريح قيسي نشم من هذه الدار، فيضربونها بالنار، فهرب القيسية من دمشق، وكان من لم يبايعه سمَّر عليه بابه، وكان إذا خرج من الخضراء وهو راكب يمشي بين يديه خمسمائة رجل على رؤوسهم القلانس الشاميات وفي أيديهم المقارع.
كتب أبو العَمَيْطر إلى ابن بَيهس الكلابي: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فالعجب كل العجب لتخلفك عن بيعة أمير المؤمنين، يعني نفسه وجحدانك نعم آبائه عليك، ولست ولا أحدٌ من سلفك إلا في نعمته، وأنت تعلم مكان حرمتك بقرية تلفياثا، وأن عشيرتك بالغوطة كرش منثورة، وأمير المؤمنين يحلف لك بالله لئن سمعت وأطعت، ليبلغن بك أقصى غاية الشرف، وليولينك ما خلف بابه، ولئن تخلفت وتأخرت ليبعثن إليك ما لا قبل لك به من الزحوف، التي تتلوها الحتوف، بشاهد السلاح المعدّ لأهل الخلاف والمعصية. وقد بعث إليك أمير المؤمنين شعراً فتدبره وكتب في أسفل كتابه:
لئن كان هذا الجد منك لقد هوى ... بك الحَيْن في أهويّة غيرَ طائل
أبعد اجتماع الشام سمعاً وطاعة ... إليَّ وإذلالي جميع القبائل
وتوجيهيَ العمال في كل بلدةٍ ... وزحفي إليها بالقنا والقنابل
رجوت خلافي أو تمنيت جاهلاً ... إزالة ملك ثابت غير زائل