عما اجترحته في الماضي حساباً غير يسير، وتكون حياتي في تهلكة، فاعتذرت بأن على المقتبس مبلغاً من الديون بسبب توقفه ثمانية أشهر وبيع مطبعته فقالوا إنهم يسددونها عني ففعلوا. وفي خلال ذلك جاء أحد أساطين الاتحاديين أحمد جمال باشاً قائداً للجيش الرابع، وحثي على التعجيل بإصدار المقتبس، وكان كلامه رجاءً في الصورة الظاهرة، وتهديداً في الحقيقة، فبادرت إلى امتثال الأمر فأصدرته، وبقيت سنة لا أكتب فيه إلا نادراً، ويتولى أخي سياسته، حتى تنبه جمال باشا للأمر وأرادني على كتابة مقالات افتتاحية باسمي ففعلت، وكثيراً ما كانت أفكاري ترشح اضطراراً من أفكار القائد العام مباشرة أو بالواسطة، فكانت إرادتي مسلوبة لتهديدي كل ساعة بنشر الحسابات القديمة مع الاتحاديين، وفي أواخر السنة الأولى للحرب أرسلي جمال باشا مع البعثة العلمية من علماء الشام إلى الآستانة فجناق قلعة، وأوعز إلى بإنشاء رحلة هذه البعثة، ووضع كتاب في رحلة أنور باشا، وكيل القائد العام وناظر الحربية، إلى الشام والحجاز. ففعلت مضطراً. وظهر هذان الكتابان الأول باسمي واسم ثلاثة من أرباب الصحف في الشام، والثاني باسمي فقط. وهما من كتب الدعاية السمجة في الحرب الممقوتة. وفي هذه السنة أيضاً أنشأت الدولة بإيعاز ألمانيا وترتيبها في مدينة دمشق جريدة يومية عربية أسمتها الشرق عهدت إلي برئاسة تحريرها فوليته مدة، واضطرني أحمد جمال باشا إلى رفع اسمي من جريدة المقتبس لتروج جريدة الشرق التي ظهرت إلى أواخر الحرب. وكانت جريدة ألمانية تركية بحتة يقصد بها الدعاية والتأثير في العالم العربي خاصة والعالم الإسلامي عامة.
ولما بدأت جيوش الحلفاء تتقدم في جنوبي الشام غادر أحمد جمال باشا البلاد،
فأردني خلفه جمال باشا المرسيني أن أظل على ما كنت في جريدة الشرق فقلت له: لم يستعبدني أحد في حياتي غير سلفك العالي ولا أريد أن أستعبد مرة أخرى. وقصدت إلى الآستانة للتجارة فمنعي الاتحاديون هناك بإيعاز من أحمد جمال باشا، ومنعوني من معاطاة أعمال لا أعرفها في الحقيقة. وبينا كنت أفاوضهم بذلك سقطت دمشق بأيدي الحلفاء، وانقطعت الطريق بين الشام والاستانة، إلى دمشق بعد ثلاثة أشهر