قانون وشريعة، وهم متخاذلون متفاشلون لا يكاد واحد منهم يزكي أخاه، ولا تجد خمسة منهم اتفقوا على مقصد واحد من مقاصد الخير. والعاقل يرجح الأمية على هذا العلم الذي لم ينتج خيراً لأهله ولا لغيرهم، والأميون لا تصدر منهم هذه الجرأة على العبث بناموس الكمال. ومن تفلتوا من حدود الشرائع على فربهم منه، كانوا أشد انتقاضاً عليها من الجاهلين والغافلين.
وتتصرف على هذه الطبقة، طبقة تلتحم بالخاصة أو العليا أيضاً، من جماعة المتعلمين على الأصول المدنية الحديثة، فقد دب في بعض هذه الطبقة سوس الفساد ولما تزل في بدء تأسيسها، وظهر لأرباب البصائر أن الدروس الطبيعية والرياضية والاجتماعية والفلسفية والحقوقية تنير العقل، ولكنها لا تحسن الأخلاق، إذا كانت منحطة من أصلها. وربما كان العلم في بعض هذه الطبقة أداء شر تستخدمه حبائل لصيد ما يسد المطامع. والأخلاق مغروسة في الدم والأسرة، والعلم صناعة يتعلمه الذكي الدائب.
وقد تلونت صبغة هذه الفئة في هذه الأرض الطيبة، بألوان أهوية الأقاليم وجوائها، بل بألوان المدارس التي تخرجت بأساتيذها، فمن تعلم منها في مدارس التبشير التي بها أهل أوروبة وأميركا على آسية وإفريقية، جاءت إلا قليلاً منحلة من ربقة حب الوطن وعهدة حب الجماعة، واستحكمت في كثير من أفرادها الأنانية والأثرة استحكاماً هون عليها كسرة قيود الحكمة والخروج على الأدب الصحيح.
وقد اشتهر بعض هذه الطائفة بمعاداة الدينيين والأعيان، والإزراء بسائر الطبقات وأكل الحسد والحقد قلوبها، فهي لا تتحاب بينها ولا تحب غيرها، ولا تعرف من محيطها أكثر مما يعرف الدخلاء. شمخت بأنوفها، واحتقرت كل من لم يجر على
مثالها، ولا تثقف تثقيفها. ومنهم من دفعه ما لقفه من تربية وحصله من تعليم ناقص، إلى خدمة الغريب، والفناء في محبته والدهشة بكل ما يأتي على يده وقبول كل ما حمله من خلق وثقافة والتغني بتاريخه ومجده والتغزل بجمال بلده والإعجاب بأوضاعه، أخذ كل ما أعطاه شاكراً مغتبطاً، فخرج بذلك عن قوميته، وكثير منهم هجر بلده، إلى مكان ينبت بزعمه العز ويدر أخلاف الرزق.