كل من لم يمالئوه، ويتوهم أن النقاد لا يفرقون بين الزيف
والبهرج، ولا بين الهازل الماجن والمجد المجاهد، والعلم الحقيقي يولي صاحبه عزوفاً، وإذا قرن بالتهذيب لا يحاول صاحبه درجة إذا تخطاها أدركه العثار.
عرفت عالمين دينيين أريدا على أن تفتح لهما أبواب الرزق، وتغدق عليهما المظاهر على أن يسفا إسفافاً خفيفاً يكون في السكوت عن رجل كان لهما صاحباً قديماً فحاز مظهراً كبيراً من مظاهر الدنيا حسده عليه عبيد المطامع والشهوات، وكان جوابهما كل مرة أن من لا يعمل للمصلحة العامة لا يستحق صداقتنا ليأت ما استطاع من الخير ونحن بالطبع له الأخلاء الأوفياء لا نريد منه جزاء. وهكذا قاطعاه وهو الحاكم المتحكم في الدولة، وهكذا عزفت نفسهما عن أن يرقصا للقرد في دولته ويزينا للظالم ظلمه وهو في أوج عزته. زهدا في الجاه العريض لزهد صاحبه في الفضائل وشدة هيامه بدرهمه وديناره. رجلان يأكلان اللقمة بالتسفل والرياء وآخران جاهرا بأنها تؤكل بدون هذا. وهذا مثال من أخلاق بعض المعاصرين، وعبرة للأعقاب في الغابرين.
ظهر التعطيل في الإسلام منذ قرون، بما قام به المبتدعة من أهل الطرق وسخفاء الدجالين والقصاصين، فانحطت العقول وضعف مستوى العلم والتهذيب في الناس فمن تصدى يا ترى لمحاربة هذه الضلالات التي لم ينزل بها سلطان؟ قشت أخلاق سيئة تخالف هدي الدين فتغافل الموكل إليهم هداية الخلق عن انتشار سمومها كأنهم يقرونها، وتركوا رعيتهم هملاً كالسائمة. وكانت دروس العلم مباحة مورودة إلى أوائل هذا القرن، وبتساهلهم كاد العلم الإسلامي ينقرض. وجاء كثير من مرتزقة الوعاظ والخطباء والأئمة والقضاة جهلاء يفتون بغير علم، ويخطبون بالمبتذل الساقط، ويلهون الجمهور بالقشور، ويبيعونه من سلعهم الكاسدة ما لو ائتمر العوام بأوامرهم لرجعوا ألف سنة إلى الوراء. وإذا اجتمع هؤلاء الدينيون إلى أكثر زعماء الأديان الأخرى، ظهر الفرق بين التقصير والعناية وتجلت المباينة
بين من ساروا مع الزمن، ومن عاندوا الحقائق وحاربوا العقل وجمدوا في الفكر، ومالوا إلى الكسل عن عمل. وفوق هذا تراهم يجمعون أموالهم بخرق حرمة كل