إلى البيوت الثابتة، وتتخلى عن عيش البداوة وما تستلزمه من شقاوة وشقاء. ومن عشائر الشام ما عرف أنها كانت رحالة فأصبحت مزارعة مقيمة، ولذ لها عيشها الثاني فاغتنت يوم تحضرت، مثل الدنادشة أو بني دندش فهم قبيلة يمانية جلت إلى حوران منذ نحو ثلاثمائة سنة، ثم انتقلت إلى أرجاء تل كلخ من عمل حصن الأكراد، ولهم اليوم قرى عامرة وبيوت وقصور في قرى الفتايا والحوز ومدان وحير البصل والموح ومشتى حمودة ومشتى حمزة وبرج الدنادشة وغيرها، وظلت أخلاقهم إلى عهد قريب أخلاق العشائر يحبون الغزو والسطو وحمون الذمار والجار، وهم على حصة موفورة من الكرم والوفاء وصحة العهد. واتفق مثل هذا التحول لكثير من عشائر الحديديين والموالي وبني خالد، فإنهم لما امتلك السلطان عبد الحميد الثاني أرضاً واسعة في الشمال الشرقي من الشام في أرجاء حماة وحمص، حمى العشائر ومنع الغزو بينها، فتحضر من هذه العشائر عدد كبير انصرفوا إلى اعتمال الأرض والعناية بالزرع والضرع. وهكذا كانت الحال في القديم والحديث، تدخل البادية في الحضارة، وقل أن خرج أفراد من الحضارة إلى البداوة، لأن الترقي سنة الطبيعة، والبداوة أصل ثم يذوب أهلها على الزمن في الحضر.
تبعد منازل البدو عن سواحل البحر المتوسط غالباً، ولا تزال تمتد في الداخل حتى
ينتهي العامر من ديار الشام في الجنوب والشرق، وهناط البداوة بأجلى مظاهرها. والأولى أن يقال مثلاً في عشائر الفضل والهوادجة والبحاترة النازلين على ضفاف بحيرة الحلوة، وبني صخر الضاربين في البلقاء، وبني حسن في علجون، والحسينية والفواعرة والعكيدات في أرجاء حمص، وبني خالد عرب حماة، والحديديين والموالي واللهيب والغيار عرب حلب، والسًّبعَة والفدعان من عنترة النازلين من بحيرة الجبول إلى سليمة وعشائر البشاتورة والبواتية الغزاوية والمساعيد ونقار والصقور عرب بًيْسان ونابلس وجنين وطول كرم، وعشائر شرقي الأردن التي تشتو في وادي العربة أو الأغوار، أو الحماد أي الصحراء العربية شرقاً، وتصطاف في ارض معينة الحدود معروفة - فالأولى أن يطلق على هذه القبائل اسم نصف حضرية