وتغلغل حبها في شغاف قلوبهم، لكان الخطر كبيراً من هذه السرعة في اقتباس عادات ليست عاداتهم، وأخلاف قلما تلائم أخلاقهم، في أرض هي مفتاح باب البحار. وكأنا بلبنان إذا ظل غرام أهله بالرحيل عنه على هذه الصورة طلب الغنى، يوشك أن يفرغ من سكانه، يتعلمون لا ليكون فلاحين وصناعاً بل تجاراً ومستخدمين. وقد أولعوا بتقليد الأمم العظيمة الغنية في عامة مناحيهم وهم لا ثروة ثابتة لهم، وفي ذلك ما يخشى عليهم من عواقبه، ومن أظهر شؤمه على مجتمعهم ما نسمع به اليوم بعد الآخر من كثرة الاختلاس والاحتيال في دواوين حكومتهم وبيوت تجارتهم بحيث كادت ترتفع ثقة الغرب منهم، ذلك لأن الصعلوك فيهم يحاول أن يعيش عيش أرباب الطبقة الوسطى، هؤلاء لا يقنعهم إلا أن يدانوا الطبقات العليا، وتقليد أوربا أوقعهم في شر أمورهم، وفاتهم أن الأمة لا تفلح إلا باقتباس الجديد، والاحتفاظ بالقديم المفيد، وأن كل شعب يحاول أن يرتجل عاداته، ويصطنع أخلاقه، يندغم في غيره، ويذوب في بوتفة من يريدهم ولا يريدهم.
-
تتخالف العادات في القرى وتتقارب، بحسب قربها وبعدها عن الحواضر على الأغلب، وبحسب أصول سكانها، فإذا كانوا من أصول عربية تجلت فيهم عادات البلدية كأهل حوران مثلاً فانهم على قربهم من دمشق قد رسخت فيهم العادات البدوية، كأهل الحواضر والوادي من سكان أقصى الجنوب.
ذلك لأن العرب تسربوا إلى الشام أولاً من الجنوب قبل الإسلام بقرون، وما زالت
موجات الهجرة تأتيها من تلك الأصقاع. وبينا تجد أهل غوطة دمشق كأهل الحضرة في مناحيهم كما يقول الرحالة ابن بطوطة، ترى أهل مرج دمشق، وما هم من الغوطة ببعيد، كأهل حوران، في عاداتهم ولباسهم وطراز معيشتهم. تتمثل فيهم عيش البداوة، وهم فلاحون مقيمون على الحرث والكرث وماشيتهم قليلة. وعادات المسيحيين في حوران وجبل الدروز ومادبا والكرك كعادات المسلمين السنة والدروز، والتعديل القليل على عادات المسيحيين لأنهم أسرع إلى التعليم من الأكثرية وإن كانت