من العربية والإفرنجية كعاداتهم وأخلاقهم. وأثبت ابن هذا الصقع أنه ما استطاع أن يتخلى عن القديم برمته، ولا
استعد لأن يقتبس الجميل من الجديد بجملته.
واللبناني أكثر من غيره من سكان هذا القطر اقتصاداً وتؤدة، ومعرفة بأساليب الحياة، وبعَد هِمم، وشدة حذر. وهو نظيف لا كابن الجبال الأخرى، وفي مسكنه وزراعته وصناعته شيء من النظام. وقد تبيت في بيت الفقير منهم في إحدى المزارع الحقيرة، ولا تستنكف من مؤاكلته، ولا تأنف من النوم في فراشه، والجلوس على مقاعده، والاتكاء إلى وسادته. فالزعامة الزمنية من قبلُ عند غير المسيحيين، والرياسة الدينية عند المسيحيين، كانتا بين اللبنانيين على أتمهما لسهولة تسلط الزعيم أو الرئيس الروحي على رعاياه، لضيق الرقعة التي يمتد عليها نفوذه. وقد استفاد ابن الجبل من هذه الزعامة ترتيباً ونظاماً على الجملة، وولد فيه حب التضامن والصدق بما يلقنه إياه الشيخ أو الكاعن، ورُبط الناس بقيود يصعب التفلت منها بعض الصعوبة وهذا أقرب إلى النفع من الفوضى تضرب أطنابها بين سكان الجبال الأخرى، وجهالة ممتدة الرواق على الكبار والصغار لا تدري متى ينقشع ظلامها. وقد اضطر السكان أن يقلد بعضهم بعضاً في باب الأخذ بأسباب الترقي والتعليم. وكان للموازنة التقدم ثم لمن يليهم من الروم والكاثوليك، ثم يأتي الدروز فالسنة فالشيعة.
فقدت عادات ليست بقليلة من الجبل ومما فقد أو كاد لباس الفلاحين وهي العمائم والسراويل والعباءات، ولا سيما من القرى التي هي مصطاف البروتين والطرابلسيين والمصريين، ولباس جمهور عظيم منهم الآ، هو اللباس الغربي، والقبعة الإفرنجية شائعة الاستعمال في النساء والرجال، ولا سيما عند من تعلموا التعليم الغربي في مدارس التبشير في بيروت وما إليها من القرى والمدن. والقبعة اليوم تهزم الطربوش والعمامة والكوفية والعقال أمامها، كما تنهزم المدنية الشرقية أمام المدنية الغربية طوعاً أو كراهاً، وربما كان لحالة لبنان السياسية مؤخراً دخل
كبير في هذا التمثل السريع. والمغلوب أبداً مولع بشعار الغالب. وكل ما قام به اللبناني من اقتباس التمدن فبل هذا العهد كان مقدمة إلى هذه النتيجة. ولولا أن الهجرة نخرت عظام اللبنانيين،