الفاتحين العرب منذ نيف وثلاثة عشر قرناً وهي الرزانة والوقار والصبر على المصائب، ويلتزمون هذه الرزانة وهذا الوقار في أعمالهم ومجالسهم بل وفي بيوتهم وبين ذويهم ومجالس سمرهم وشرابهم وأنسهم، ويكرهون من يتصف بالطيش والرعونة والشكوى الصريحة ويتجنبون مجالسته، ولكل عادة من هذه العادات شذوذ وهي قليلة.
للحلبيين المسلمين عادات يستعملونها في أفراحهم وأتراحهم نذكر منها شيئاً يحفظه التاريخ إلى ما بعد أن يحتاجه تطور الزمن فيبقى ذكره من مستغرب الأخبار وروائع الآثار فنقول:
مما يستعملونه في قضية الولادة أن الطفل متى تمخضت به أمه وولدته تلمسه القابلة فإن كان غلاماً صلت على محمد وإن كان جارية ترضت عن فاطنة الزهراء ثم يقدم إلى أحد أقاربه فيؤذن في أُذنه الأذان الشرعي يسمى من قبل وليه ويطبخ لأمه حلوى بالشونيز والجوز لتكثير لبنها وتقصير بالشرب على ماء الحمام المنقوع فيه أصول البنفسج مدة أسبوع ويرسل أحد أصدقاء الأسرة مائدة كبيرة تشتمل على مقدار عظيم من الزلابية معها أباليج السكر، ويولم أهل المولود في اليوم السابع وليمة حافلة بين أطعمتها حلوى قوامها الدبس والشمرة تعرف باسم المغلي وقد يحضر في ليلة تلك الوليمة قيان للنساء ومطربون للرجال، وكل صديق لأبوي المولود يقدم هدية بعضها مأكول وبعضها مما يتجلى به ومنها مسكوكات ذهبية قديمة تعلق في قلنسوة الطفل واسم ذلك تهناية وبعد مضي أربعين يوماً على الولادة تؤخذ النفساء إلى الحمام مع أترابها من النساء ويكبس بدنها بالشدود وهو المردقوش والخزامى المغربية. وإذا شعرت أم الطفل بمغص في بطنه تمضغ له لب عجو الدراقن وعصر لفظتها في فمه فيسكن مغصه وتدهن مراقه بالزيت وتذر عليه مسحوق ورق المرسين، ومتى بدأت أسنانه بالخروج تسلق له شيئاً من