خطط الشام (صفحة 1403)

فيدخله ويضع يده بيد عرسه ويدخل بهما إلى غرفتهما ويذهب بسلام.

هذه حفلات الزواج وعوائد القوم قديماً، واليوم قد زيد عليها معاينة صحة الزوجين، وينظرون إلى الكفاءة العلمية قبل كل شيء مما يبشر الأسرة المقبلة بأعلى درجات السعادة الزوجية، وهذا الشكل في تأسيس الأسرة يعض عليه المحافظون بالنواجذ، ويؤيدونه بكل ما أُوتوا من قوة، ويرونه أضمن لحفظ السعادة البيتية من جميع أشكال النظم المتبعة في العالم.

ومن عاداتهم الخروج أواخر فصل الشتاء وأوائل الربيع إلى المتنزهات العامة يوميا في الأسبوع لاستنشاق الهواء النقي، على اختلاف عادهم ومذاهبهم، نساء ورجالاً، وتكون أماكن جلوس النساء خاصة بهن غالباً، ولا يتيسر للرجال أن يخالطوهن بحكم العادة، والشاذ قليل. ومن العادات القديمة التي نشأت من الأمية أيضاً سماع الفصاص في المقاهي وقد تلاشت الآن هذه العادة، وكان يجتمع في المقهى عدد يختلف بحسب المحل والقصاص، يتصدر القصاص الحكواتي في صدر المكان ويقرأ لهم غالباً القصص التي يرغبون فيها مثل رواية عنترة والزير وأبي زيد وهي روايات حماسية، تمثل الشجاعة والكرم والأنفة والحمية والوفاء والصدق والمروءة والجرأة وحفظ الذمام ورعاية الذمار والجار، إلى آخر ما هنالك من مكارم الأخلاق ينسبونها إلى أبطال الرواية، ويجعلون نهاية النصر لهم

والدوائر على مناوئيهم، ويصفون الخصوم بالجبن والبخل والرياء والغدر والخيانة والنكث بالعهد إلى آخر ما هنالك من مفاسد الأخلاق، مما يربي نفوس السامعين على حب الفضائل ويحبب إليهم العمل بها، ويبغض إليهم النقائص ويحملهم على البعد عنها، وغالب من يجتمعون لسماع تلك الأقاصيص من طبقة العوام، وهم متصفون ببعض تلك الفضائل.

ومن ملاهيهم خيال الظل والعوام يدعونه قره كوز، وكان في أول القرن الحاضر من أشد العوامل تأثيراً في تهذيب الأخلاق وتقويمها، بما يلقيه أستاذ هذا الفن المشهور بدمشق علي بي حبيب على ألسن تلك الخيالات من المواعظ الأخلاقية، بعبارات ملؤها انتقاد، تفعل في قلب أشد الناس بلادة، وكان يصور في كلامه العادات السيئة المتفشية في عصره، ويظهرها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015