جاءت القرون الحديثة فقضت على التحزبات، وصاروا في المسائل الوطنية والقومية متلازمين تلازم اللام للألف، وإذا ذكروا ما ارتكبه أجدادهم في هذا الشأن خجلوا ووجموا. الأمويون كالعلويين بشر يخطئون ويصيبون، فلا يليق بنا أن نغض من الأمويين لأنهم لم يتنازلوا عن ملكهم للعلويين، ولا ننكر أن إصابتهم كانت كثيرة جداً في جنب خطيئاتهم، وأهل الشام قبل كل شعب عربي يجب عليهم أن يفاخروا بتاريخ الأمويين ويمعنوا النظر فيه طويلاً، ويعرفوا أن لكل دولة كما لكل فرد ما يعدُّ لها وعليها.
بنو أُمية أسسوا دولة عظيمة وفتحوا الفتوح ونشروا كلمة التوحيد وبثوا اللغة العربية في الممالك التي دوَّخوها فماذا عمل خصومهم لو أنصف المتشيعون لهم؟ لم يوفقوا من قبل ولا من بعد إلا أن يُدلوا على الأمة بشرفهم، وأنهم خير من أُمية في الجاهلية والإسلام، وأن الواجب على المسلمين أن يخضعوا لهم مهما كانت حالهم لشرف هذه النسبة فقط، ولقد قامت لهم عدة دول في أقطار مختلفة وكان مصيرها كلها الانحلال، ولذلك كان من المعقول أن لا يغض من قدر العاملين خصوصا من كانت حسناتهم تربو على سيئاتهم، إن كان هناك ما يتجوز في تسميته سيئات. الملك لا يقوم بالزهد والتقوى ولزوم المساجد والخطب والحماسة والإدلال بصفات طبيعية اتصف بها صاحبها. الملك يحتاج كما كان الأمويون إلى بذل وتسامح وتماسك وعمل نافع بعيد عن الدعوى. في الصفات الأولى تتمثل حالة العلويين، وفي الثانية تتمثل حالة الأمويين.