سُئل عبد الله بن عباس عن معاوية فقال: سما بشيء أسرَّه واستظهر عليه بشيء أعلنه، فحاول ما أسر بما أعلن فناله، وكان حلمه قاهراً لغضبه، وجوده غالباً على منعه، يصل ولا يقطع، ويجمع ولا يفرق، فاستقام له أمره وجرى إلى مدته. قيل: فأخبرنا عن ابنه قال: كان في خير سبيله، وكان أبوه قد أحكمه وأمره ونهاه فتعلق بذلك وسلك طريقاً مذللاً له. وسئل علي رض عن بني أمية فقال: أشدنا حُجَزاً صبراً وأطلبنا للأمر لا ينال فينالونه.
الخلاف بين الأمويين وخصومهم من العلويين ما زال يقوى ويضعف، وما هو إلا خلاف سياسي نشأ من النزاع على الملك، وليس من الدين في شيء. فليس إذاً من العقل أن تتسلسل هذه الأحقاد في الأمة وتتفرق شيعاً، وتظهر بمظهر النصب أو التشيع، ويزكي فريق من يحبهم حتى يخرجهم عن طور البشر، ويطعن في آخرين حتى يسلخ عنهم كل ما يمتازون به من الصفات الكاملة ويخرجوهم عن الملة. أهل الإسلام يحبون الخليفة الرابع، ويعرفون له صفات غرّاً يفاخرون بها على غابر الدهر، ولكن من تحبه لا يجوز لك أن تغضي عن هفواته، أو أن تذكر لخصمه مزاياه.
أريد أن أقول: إن مسألة الخلافة بين علي ومعاوية قد مضى عليها الزمن، وكان لكل منهما اجتهاده، وهي من المسائل المؤلمة في تاريخنا ينبغي لنا أن ندرسها بإنصاف لا أن نقول مع القائلين ونسكت عما شجر بينهم، ولا أن نبالغ فيما وقع ونتعصب لفريق على آخر، فالأمة يجب عليها أن تعرف مواطن الضعف والقوة من جسمها، وتكشف حقائق ماضيها لأنها ابنة حوادث ماضية، والواجب في البحث أن لا يثير في النفوس أحقاداً، ولا ينشيء في أجزاء الأمة فرقة متلفة، ولا يُرتكب معه سوء أدب مع عظماء أسسوا مجد الأمة على أمتن الدعائم، ووضعوا بناءها على القومية العربية، وكانوا مثال التساهل مع أبناء الأديان الأخرى.
أهل الإسلام في الشرق جديرون بأن يكونوا كأهل النصرانية في الغرب، تحاربوا حروبا دينية سالت فيها الدماء أنهاراً بين البابوي والبرتستانتي، ثم