وقد تعززت الكثلكة في الشام بدخول الرهبان وأقدمهم الفرنسيون في القرن الثالث عشر. ثم في القرن السابع عشر الكرمليون والكبوشيون واليسوعيون. ثم في أواخر القرن الثامن عشر اللعازريون، وفي القرن التاسع عشر أخوة المدارس المسيحية والأخوة المريميون مع راهبات من رهبانيات مختلفة كراهبات الزيارة وراهبات المحبة واليوسفيات وراهبات القلبين الأقدسين وراهبات السجود وراهبات
العائلة المقدسة وراهبات العجز الخ. ولكل من هؤلاء الرهبان والراهبات من المشروعات الجليلة ما يكفي وحده لتشريف الكنيسة الكاثوليكية. ولله الحمد على كل حال.
الموارنة طائفة من النصارى الكاثوليكيين الشرقيين بعرف من تواريخهم أنهم ينتسبون إلى الناسك البار القديس مارون القورسي النشأة على ما يرجع. اعتزل هذا الفاضل الدنيا في أواخر القرن الرابع ولجأ إلى صومعة في قمة جبل غير بعيد عن إنطاكية فما لبث عرف فضائله أن فاح في تلك الأنحاء فجذب إليه جماعات قصدوه ليلتمسوا منه بركته وصلواته ويسترشدوا بتعاليمه ويقتدوا بسيرته. وقد زهد قوم منهم بالدنيا واختاروا العزلة والتفرغ لخدمة الله في المغاور وأعالي الجبال ليقيموا بعيدين عن ضوضاء العالم، على أن أريج حياتهم الطاهرة لم يمكن إخفاؤه فتقاطر المجاورون حول تلك المناسك وتألفت منهم طائفة عرفت فيما بعد باسم الطائفة المارونية، وكان أهم المراكز التي التفوا حولها دير القديس مارون المبني على ضفاف النهر العاصي في نواحي أفامية.
ولما توافر عددهم مست الحاجة إلى تنظم أحوالهم الروحية فأقيم لهم بطريرك هو البار يوحنا مارون وبه تبتدئ سلسلة بطاركة الموارنة، وعاش هذا البطريرك الأول في أواخر القرن السابع في حين كان للموارنة أمراء يديرون شؤونهم الزمنية، ثم أخذ الموارنة يهجرون إلى الأقطار المجاورة، فنزل قوم منهم في جبال عكار وعمروا فيها القرى، وسارت فئة نحو الجنوب إلى لبنان الشمالي فما عتموا أن قويت شوكتهم فيه فبلغ في القرن العاشر عدد