ومن أهم الكتب القديمة في الشام مصحف سيدنا عثمان الذي عام ثلاثين للهجرة إلى دمشق ليكون الاعتماد عليه كما أرسل مثله إلى الأمصار الكبرى في الأقطار الأخرى. والغالب أنه نقلت عنه عدة مصاحف عدت من الأمهات منها ما جعل في طبرية، ومنها ما وضع في قنسرين. وكثرت النسخ بعد ذلك، لكن هذه المصاحف ذهبت في الحريق الذي أصيبت به الجوامع في عصور مختلفة، وكلما حرق مصحف قديم قال القوم: إنه مصحف عثمان، والأصح أن يقال المصحف المنقول عن مصحف عثمان. وحدثين الشيخ مسعود الكواكبي أنه تشرف غير مرة بزيارة مصحف كتب عليه حرره عثمان بن عفان وهو محفوظ في مكتبة جامع أياصوفيا في الآستانة.
ثبت أن أول خزانة كتب في الإسلام أنشئت في دمشق أو في حلب أنشأها حكيم آل مروان خالد بن يزيد الأموي المتوفى سنة خمس وثمانين، ولم يصل إلنا من أخبارها شيء، ولا شك أنها كانت تحوي بعض العلوم التي نقلها من القبطية واليونانية والسريانية، في الكيمياء والطب والنجوم وغيرها، وربما كان فيها شيء من كتب الجغرافيا لأنه ثبت مما قاله ابن السنبدي الذي زار خزانة الكتب بالقاهرة في سنة 435هـ أنه كان فيها كرة من نحاس من عمل بطلميوس، كتب عليها حملت هذه الكرة من الأمير خالد بن يزيد ابن معاوية. وقال: إنه كان في تلك الخزانة من كتب النجوم والهندسة والفلسفة خاصة ستة آلاف وخمسمائة جزء. ولا شك أن خزانة خالد بن يزيد كان فيها أيضاً كتاب عبيد بن شرية الجرهمي الذي كان
استحضره جده معاوية من صنعاء اليمن وسأله عن الأخبار المتقدمة، وملوك العرب والعجم، وسبب تبلبل الألسنة، وأمر افتراق الناس في البلدان. فأجابه إلى ما أراد، فأمر معاوية أن يدون وينسب إلى عبيد بن شرية. ولعبيد كتاب الأمثال وكتاب الملوك وأخبار الماضين. وهذا من أول التدوين في النصف من القرن الأول. ولوهب بن منبه المتوفى سنة 110 أو 14 أو 16 تصنيف ترجمه بذكر الملوك المتوجة من حمير وأخبارهم وقصصهم وقبورهم وأشعارهم، رآه ابن خلكان في القرن الثامن وقال: إنه من كتب المفيدة.
وجاء القرن الثاني والشام تهتز أعصابها بانتقال الملك من بني أمية إلى