وحلب وأرفاد وحمص وغيرها.
ومعنى كل هذا أنه لم يصل إلى أهل الحديث بعد تطال الأعصار من تلك اللغات القديمة إلا ما كان مزبوراً على الأحجار والآجر، ثم ما كان على الخشب والرق ثم الورق، وكانت للعرب في الكتابة على الرق والورق يد طولي نقلوا بواسطتهما ما أمكن كم علوم القدماء، وأعطوه لأهل الحضارات الحديثة بأمانة وإخلاص. فالقدماء إذاً وضعوا الكتب أيام عرفوا الكتابة، فكان لبعضهم كالفرس واليهود والهنود كتب مقدسة، وخلف الرومان واليونان تواريخ وقصائد وخطباً ومقالات فلسفية. قال سنيوبوس: وقلما نجد في الكتب المواد اللازمة لمباحثنا إذ ليس لدينا كتاب أشوري ولا فينيقي. أما ما بقي من أسفار الشعوب الأخرى فتافه جداً. وكان القدماء يكتبون ولكن أقل منا، ولذلك كانت تآليفهم أندر، ولم يكن لهم من كل مصنف غير نسخ قليلة لما أن الكال كانت تقضي باستنساخها كلها باليد، وقد دثر غالب هذه النسخ أوضاع وتعذرت قراءة ما بقي منه، ويسمى علم حلها باليوغرافيا أي علم الخطوط والكتابات القديمة.
عرفنا بما تقدم أننا لا نستطيع أن نحكم على العصور التي سبقت الإسلام في الشام في أمر الكتب والخزائن فإن إنطاكية نطقت بما كان فيها من علوم القدماء، وانتقلت إليها من حران والإسكندرية، ولا بيروت ولا مدرسة الفقه التي كانت فيها قبل الإسلام، أطلعتنا على ما كان فيهما من خزائن وأسفار، فإن أخبار هاتين المدينتين إنطاكية وبيروت انطمست منذ القديم كما انطمست معالمها بالزلازل
المدهشة التي قضت على دور العلم فيهما، وأتت أيضاً على برمتها في العصور الأولي للإسلام، والزلازل كالحريق تتلف الكتب وتدمر دورها.
ثبت أن العرب لم يدونوا في الجاهلية شيئاً من مآثرهم بالعربية، لأن الخط العربي محدث انتقل إليهم من أنبار قبيل الإسلام، ولكنهم كانوا أول من أسرع التدوين خارج جزيرتهم، ولا سيما في العراق والشام أوائل الإسلام.