سنتان وخمسة اشهر. وكانت سيرة عمر بن عبد العزيز مضرب الأمثال في القاصية والدانية، وقدوة السلف للخلف في كل عصر ومصر. قال عمرو ابن ميمون: كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة.
بعث عمر بن عبد العزيز وفداً إلى ملك الروم في أمر من مصالح المسلمين وحق يدعوه إليه، فلما دخلوا إذا ترجمان يفسر عليه، وهو جالس على سرير ملكه والتاج على رأسه، والبطارقة عن يمينه وشماله، والناس على مراتبهم بين يديه، فأدى إليه ما قصدوا له فتلقاهم بجميل وأجابهم بأحسن جواب وانصرفوا عنه في ذلك اليوم، فلما كان في غداة غدٍ أتاهم رسوله فدخلوا عليه، فإذا هو قد نزل عن سريره ووضع التاج على رأسه، وقد تغيرت صفاته التي شاهدوه عليها كأنه في مصيبة فقال: هل تريدون لماذا دعوتكم؟ قالوا لا: قال: إن صاحب مسلحتي التي تلي العرب جاءني كتابه في هذا الوقت أن ملك العرب الرجل الصالح قد مات، فما ملكوا أنفسهم أن بكوا فقال: لا تبكوا له وابكوا لأنفسكم ما بدا لكم. فإنه قد خرج إلى خير مما خلف. قد كان يخاف أن يدع طاعة الله فلم يكن الله ليجمع عليه مخافة الدنيا والآخرة لقد بلغني من بره وفضله وصدقته ما لو كان أحد بعد عيسى يحيي الموتى لظننت أنه يحيي الموتى، ولقد كانت تأتيني أخباره باطنا وظاهرا فلا أجد أمره مع ربه إلا واحدا، بل باطنه أشد حين خلوته بطاعة مولاه. ولم أعجب لهذا الراهب الذي قد ترك الدنيا وعبد ربه على رأس صومعة، ولكني عجبت لهذا الراهب الذي صارت الدنيا تحت قدمه فزهد فيها حتى صار مثل الراهب، إن أهل الخير لا يبقون مع أهل الشر إلا قليلا.
تولى الخلافة يزيد بن عبد الملك تاسع الأمويين، وقد لقب الوليد وسليمان ويزيد وهشام أبناء عبد الملك بالأكبش الأربعة، ولم يل الخلافة من بني أمية ولا من غيرهم أربعة اخوة إلا هؤلاء. فعزل يزيد عمال عمر بن عبد العزيز جميعا وأعاد سب علي على المنابر، ودام ذلك إلى