وغلب اليمانية وكان بنو أمية يبغضون اليمانية. قال المسعودي: وكانت هذه الوقعة سبب رد ملك بني أمية، وقد كان زال عنهم إلى بني أسد ابن عبد العزَّى، ولذلك رأى قوم أن مروان أول من أخذ الخلافة بالسيف. وهذه الوقعة من الوقائع المشهورة التي تفتخر بها اليمانية على النزارية، وقد أكثرت شعراؤها الافتخار بذلك. ولما بويع لمروان بن الحكم اشترط حسان بن مالك، وكان رئيس قحطان وسيدها بالشام، على مروان ما كان لهم من الشروط على معاوية وابنه يزيد وابنه معاوية بن يزيد، منها أن يفرض لهم لألفي رجل، ألفين ألفين، وإن مات قام ابنه أو ابن عمه مكانه، وعلى أن يكون لهم الأمر والنهي وصدر المجلس، وكل ما كان من حل وعقد فعن رأي منهم ومشورة، فرضي مروان بذلك وانقاد إليه. وكان هذا أول قانون عربي وضع للتشريفات بروتوكول وضع أساسه القحطانية، وكانوا اصطلحوا على ذلك منذ عهد معاوية، أرضاهم بهذا التصدر فدخل مصطلحهم في طور الدساتير المعمول بها.
ولم يلبث مروان أن وجه جيشاً إلى الحجاز لمحاربة ابن الزبير ثم خرج يريد مصر، فلما سار إلى فلسطين وجد ناتل بن قيس متغلباً على البلد فحاربه، فهرب ولحق بابن الزبير، وسار مروان إلى مصر فصالحه أهلها. وأرسل عبيد الله بن زياد إلى العراق لقتال الشيعة، ولما صار مروان إلى الصِّنَبْرَة من أرض الأردن
منصرفاً من مصر بلغه أن حسان بن بحدل قد بايع عمرو بن سعيد بن العاص، فأحضره فأنكر وبايع لعبد الملك، ثم بعده لعبد العزيز بن مروان، وكانت ولاية مروان تسعة أشهر وقيل ثمانية وقيل ستة. وبايع أهل الشام بعده لابنه عبد الملك وكان مروان أول من أخذ الخلافة بالسيف كرهاً، على ما قيل بغير رضى من عصبة من الناس، بل كل خوّفه إلا عدد يسير حملوه على وثوبه عليها، وقد كان غيره ممن سلف أخذها بعدد وأعوان. لا جرم أن مروان سيد بني عبد مناف في عصره كان من الرجال العظام وكان مولعاً بالشورى في إمارته المدينة وكان يجمع في ولايته عليها أصحاب رسول الله يستشيرهم ويعمل بما يجمعون له عليه، ومثل هذا الرجل بطول تجربته وحنكته