وكانت لهاشمبن عبد مناف رحلتان رحلة في الشتاء نحو العباهلة من ملوك اليمن ونحو اليكسوم من ملوك الحبشة، ورحلة في الصيف نحو الشام وبلاد الروم. قال الثعالبي: وكان يأخذ الإيلاف من رؤساء القبائل وسادات العشائر لخصلتين، إحداهما أن ذؤبان العرب، وصعاليك الأعراب، وأصحاب الغارات، وطلاب الطوائل، كانوا لا يؤمنون على أهل الحرم ولا غيرهم، والخصلة الأخرى أن أُناساً من العرب كانوا لا يرون للحرم حرمة، ولا للشهر الحرام قدراً، كبني طيء وخثعم وقضاعة. وسائر العرب يحجون البيت ويدينون بالحرمة له. ومعنى الإيلاف إنما هو شيء كان يجعله هاشم لرؤساء القبائل من الربح، ويحمل لهم متاعاً مع متاعه، ويسوق إليهم إبلاً مع إبله، ليكفيهم مؤونة الأسفار، ويكفي قريشاً مؤونة الأعداء. فكان ذلك صلاحاً للفريقين، إذ كان المقيم رابحاً والمسافر محفوظاً. وفي غزة استغنى عمر بن الخطاب في الجاهلية لأنها كانت متجراً لأهل الحجاز.
وخصبت قريش وتاها خير الشام واليمن والحبشة، وحسنت حالها وطاب عيشها، ولما مات هاشم قام بذلك عبد المطلب، فلما مات عبد المطلب قام بذلك عبد شمس، فلما مات عبد شمس قام به نوفل وكان أصغرهم. وذكر اللغويون من جملة التخريجات في اسم قريش التي كانت سادة العرب جاهلية وإسلاماً، أنها سميت بذلك لتجرها وتكسبها وضربها في البلاد تبتغي الرزق، وقيل: لأنهم كانوا أهل تجارة ولم يكونوا أصحاب زرع وضرع من قولهم فلان يتقرش المال أي يجمعه. وكان ساداتهم على حبهم للتجارة إذا تولوا أمراً من أمور الأمة تخلوا عنها. ففي التذكرة الحمدونية أنه كان لعمر بن عبد العزيز سفينة يحمل فيها الطعام من مصر إلى المدينة فيبيعه وهو واليها، فحدثه محمد بن كعب القرظي عن النبي صلى الله
عليه وسلم أيما عامل أتجر في رعيته هلكت رعيته فأمر بما في السفينة فتصدق به، وفكها وتصدق بخشبها على المساكين.
وكان الأنباط يحملون من الشام إلى الحجاز الزيت والدّرمك دقيق الحوّارى ويعودون إلى هذا القطر بحاصلات الحجاز. وفي السنة الثانية للهجرة أقبل أبو سفيان بن حرب والد يزيد ومعاوية من الشام في قريب من