العرب أهل تجارة لضعف زراعتهم، وكانوا يوغلون في الشرق والغرب لغرض
الربح، وقد كان لهم أسواق يقيمونها في شهور السنة وينتقلون من بعضها إلى بعض ويحضرها عامة قبائل العرب ممن قرب منهم أو بعد، فكانوا ينزلون دومة الجندل على سيف بادية الشام أول يوم من ربيع الأول فيقيمون أسواقها بالبيع والشراء والأخذ والعطاء، وكان يعشرهم فيها أُكيدر دومة - وهو ملكها - وربما غلب على السوق كلها فيعشرهم بعض رؤساء كلب، فيقوم سوقهم هناك إلى آخر الشهر ثم ينقلون إلى سوق هجر قاله القلقشندي. وما زال يقام في الشام إلى اليوم في أماكن مختلفة أسواق لبيع المصنوعات والحاصلات أشبه بمعارض هذه الأيام في الغرب. وكانت تقام في دمشق في كانون الأول سوق تعرف بسوق قضيب البان، رواه البيروني، وروى القالي أن قريشاً كانت تجاراً، وكانت تجارتهم لا تعدو مكة، أي تقدم عليهم الأعاجم بالسلع فيشترونها منهم، ثم يتبايعونها بينهم ويبيعونها على من حولهم من العرب، فكانوا كذلك حتى ركب هاشم بن عبد مناف إلى الشام فنزل بقيصر وتمكن عنده وقال له: إن قومي تجار العرب فإن رأيت أن تكتب لي كتاباً تؤمّن تجارتهم، فيقدَموا عليك بما يُستطرف من أدم الحجاز وثيابه، فتباع عندكم فهو أرخص عليكم، فكتب له كتاب أمان لمن يقدم منهم، فأقبل هاشم بذلك الكتاب. فجعل كلما مرّ بحّيٍ من العرب بطريق الشام أخذ من أشرافهم إيلافاً. والإيلاف أن يأمنوا عندهم في أرضهم من غير حِلف، إنما هو أمان الطريق، وعلى أن قريشاً تحمل إليهم بضائع فيكفونهم حُملانها ويؤدون إليهم رؤوس أموالهم وربحهم، فأصلح هاشم ذلك الإيلاف بينهم وبين أهل الشام، حتى قدم مكة فأتاهم بأعظم شيء أُتوا به بركةً، فخرجوا بتجارة عظيمة، وخرج هاشم معهم يجوّزهم، يوفيهم إيلافهم الذي أخذه لهم من العرب حتى أوردهم الشام وأحلهم قراها، فاتسعت قريش في التجارة في الجاهلية. وهاشم هذا هو جد الرسول مات بغزة فنسبت إليه فقيل لها غزة هاشم لأن الروم كانوا يقيمون لهم سوقاً في غزة
في موسم معلوم وكانت قريش في الجاهلية تحضره وتمتار منه.