إلى أرض العرب لتأتي منها بالذهب والعقيق اليماني والبخور والصبر والعطور العربية واللؤلؤ والأبازير والعاج والآبنوس وريش النعام وقرود الهند. والثانية ترحل إلى
بلاد أشور لتعود منها بأنسجة القطن والكتان والحمر والأحجار الكريمة والماء العطر وحرير الصين. وتقصد القافلة الثالثة إلى أنحاء البحر الأسود لتستجلب منها الخيل والرقيق والأواني النحاسية من مصنوعات سكان جبال القوقاز.
وكانوا يبتاعون محاصيل صناعات الشعوب المتمدنة، ويبحثون في الأصقاع المتوحشة عما يقل الظفر به في المشرق من المحاصيل. يصطادون الصدف من شاطئ اليونان، ومنه يستخرجون صباغاً أحمر وهو الأرجوان. وكانت الأنسجة تستعمل عند الأقدمين كافةً ملابس للملوك والأمراء، ويجلبون الفضة التي يستخرجها أهل إسبانيا وسردانية من مناجمهم. وكان القصدير من ضرورياتهم يستعملونه في صنع النحاس الأصفر، وهو مركب من نحاس وقصدير ولا أثر له في أرض الشرق، يرحل الفينيقيون في طلبه، وينشدونه حتى في شواطئ إنكلترا في جزائر القصدير وحيثما حلوا يتخذون الرقيق يبتاعونه تارة كما كان يبتاع النَّخاس العبيد في ساحل إفريقية. وينزلون طوراً في إحدى السواحل فجأةً فيختطفون النساء والأطفال وينقلبون بهم إلى أهلهم ويبيعونهم في القاصية. وإذا واتتهم الحال ينقلبون قرصاناً، ولا يتحامون طالة أيدي التعدي على غيرهم.
وقد أنشأ الفينيقيون مكاتب تجارية في الأرجاء التي اتجروا فيها، وهي مراكز للبرد حصينة، واقعة على مرفأ طبيعي يخرجون إليها بضائعهم من البحر وهي في العادة أنسجة وفخار وحلي وأصنام، فيأتي أهل تلك الأقطار بغلاتهم يقايضونهم عليها كما يقايض اليوم تجار الأوربيين زنوج إفريقية. وتقام أمثال هذه الأسواق في قبرس ومصر وجميع بلدان البحر الرومي مثل إقريطش ويونان وصقلية وإفريقية ومالطة وسردلنية ومالقة وقادس وربما أقاموها في موناكو من بلاد الغول قاله المؤرخ سنيوبوس.
وكانت الشام في الزمن القديم كثيرة السكان زاهرة على ما يظهر، وهي مدينة
بوفرة سكانها واستبحار عمرانها، لمركزها الطبيعي وتجارتها العجيبة ورباعها الخصيبة. وكان في وسع مصر أن تنازع الشام مكانتها التجارية، بيد