ولا يعلم تاريخ اندراس هذه الصناعة، والمشهور أنها كانت خاصة بأهل بيت يتوارثون صنعها خلفاً عن سلف، فدثروا ودثرت معهم منذ أكثر من قرنين. أخبرني أحد أساطين العلم أنه رأى القيشاني في جامع الدرويشية بدمشق مصبوباً على الأحجار طبقة لطيفة وهو في غاية الحسن. ويظهر أن المادة القيشانية كانت تمدّ على الحجر كما تصنع صفائح وألواحاً. وقد قام في العهد الأخير في كثير من المدن أناس لعمل الخزف الملوّن لتبليط البيوت دعوه بالقيشاني وهو لا يشبه القيشاني إلا بالاسم فقط. وانتشر وعم استعماله في الشام كلها ونقل إلى الأصقاع المجاورة.
فقدت الشام عدة صناعات كادت تكون خاصة بها، وتعد في جملة موارد عيشها، ومنها الوراقة صناعة عمل الورق. فقد كانت من الصناعات التي تعدها من حاجياتها. وكانت العرب تكتب أولاً في أكتاف الإبل والحجارة الرقيقة البيض وعسيب النخل، بعدما كانت الكتابة في الأديم والرقوق على ما قاله المقريزي. وفي أيام بني أُمية عمل الورق من الكتان وسمي بالخراساني. والغالب أن الشام
أخذت في صنع الورق في دمشق وطبرية وطرابلس وحماة ومنبج قبل هذا التاريخ. وعامة المؤرخين من الفرنج على أن الورق من اختراع أهل الصين سنة 123 ق. م ونقل صنعه أسرى من الصين إلى سمرقند في سنة 751 وفي سنة 794م أُسس معمل للورق في بغداد ثم في دمشق ويظهر من بيت طرفة في معلقته أن القرطاس ينسب للشام والبيت:
وخد كقرطاس الشآمي ومشفر ... كسبت اليماني قده لم يجرد
وأن القرطاس كان يعمل في الشام على عهده أو قبله خلافاً لما قاله مؤرخو الفرنج، وأن الورق من صناعات الجاهلية. وكان يرتفع منه كميات من دمشق ومن طبرية على ما ذكر ذلك المقدسي. وقد تعلم صنع الورق في دمشق أسيران فرنسيان على عهد الحروب الصليبية فلما عادا إلى ديارهما نشرا صناعته في