بعض الأشجار على جانبيها ويبلغ طولها نحو كيلو مترين.
هذا ما رأيته في معامل السيوفي من النظام الذي لا أبالغ بأني قلما رأيته في معمل يرأسه شرقي، ولذلك يصفق لصاحبه لأنه بدأ به صغيراً سنة 1888 في مدينة بيروت وكبره في سنة 1908 في حي الأشرفية على الصورة التي رأيناها اليوم ونفقة عمارته وأرضه وأدواته تساوي خمسة وعشرين ألف ليرة، ولكن لا يتيسر لمن معه مائة ألف ليرة أن يقيم مثله بأدواته ونظامه إذا لم تسبق له معرفة كمعرفة السيوفي ولم يقض سنين مثله في النجارة ويحيط بما جل وقل من أساليب العمل وتجويده. فليت كل أعمالنا تجري على هذا المثال من النظام البليغ والنجاح الأكيد اه.
ومما يصح أن يلحق بالنجارة صناعة تنزيل الخشب وتنزيل الصدف أو خشب الليمون فيه، وهذه الصناعات كانت رائجة جداً ثم عمدت وجدد شبابها صناع دمشق منذ نحو سبعين سنة حتى أصبح ما يعمل منها مما يتنافس في اقتنائه. ونسبت هذه الصناعة لدمشق فيقال لها بالإفرنجية داماسكينه.
كانت العرب تطرق المعادن في دمشق بإتقان أكثر من إتقان الغرب على ما قال ميشو، واشتهرت كثير من مدن الشام بهذه الصناعة منذ عرف تاريخ القيانة أو القردحة أي صناعة عمل السلاح. وذلك لأن الحديد كان يكثر في الجبال ولا سيما في لبنان وحلب. وقد اشتهرت في الجاهلية سيوف مشارف الشام في أقصى تخوم
الجنوب، وكانت تطبع بها السيوف وتنسب إليها فيقال السيوف المشرفية، وكانت حاضرة المشارف مدينة مؤتة قال كثير:
إذ الناس ساموكم من الأمر خطة ... لها خطة فيها السهام الممثل
أبى الله للشم الأنوف كأنهم ... صوارم يجلوها بمؤتة صيقل
والصيقل هو الذي يجلو السيوف. ونسبت السيوف إلى دياف وإلى بصرى وكلتاهما في أرض حوران فيقولون للسيوف البُصرية قال الحصين بن الحمام المرّي:
صفائح بُصرى أخلصتها قيونها ... ومطرداً من نسج داود محكما
والقيون جمع قين صانع السلاح. وسيوف دمشق لا تزال يفاخر بها لتفنن