من أشرف الأشجار التي تستعمل أخشابها في البناء يتخذ منها مصاريع الأبواب والدعائم والسفن ويستعان بها في كثير من الأمور.
ينشرون الخشب اليوم بمناشير ميكانيكية بالبخار أو بالكهرباء أو بالطرق القديمة فيعمدون إلى أيدي العملة في إحضارها، يصنعون منها مناضد وأصونة للثياب وإطارات ومقاعد وكراسي ومغاسل وصناديق وتوابيت ورحالاً وألواحاً لدرس الغلة وأعواد الطرب. وهذه الصناعة صناعة الأعواد قديمة جداً في دمشق ودخلت حلب منذ نحو سبعين سنة. وقد اشتهرت دمشق بصناديقها التي كانت تعمل من خشب الجوز وتبقى القرون لا تتشقق ولا يسرع إليها البلى ولا تتآكل، وعليها من النقوش ما يدل على ذوق جميل، كما اشتهرت إلى اليوم بمصنوعاتها الخشبية. وفي حلب معملان للنجارة بأنواعها، وكذلك مدينة بيروت فغن معامل هاته المدن الثلاث كادت تستأثر بتجهيز الدور والقصور والفنادق ومنها ما لا تقل جودته عن أدق ما يعمل من نوعه في الغرب مع الرخص والجودة والمتانة.
وإن ما يسمى بالحلقات في القصور والقاعات القديمة دليل كافٍ على رقي فن النجارة. فإن القصر أو القاعة يبلغ طوله على الاعتدال ستة أمتار في مثلها عرضاً وارتفاعه أيضاً يتسامى إلى الستة أمتار، فجهاتها الأربع وسقفها مما يشهد
للمتقدمين من النجارين بسلامة الذوق وإتقان الصنع، ويباع منجور بعض هذه القصور إذا كانت سليمة من الأوربيين بأثمان باهظة، وهو عبارة عن أخشاب فقط. وصناعة الدهان المدهون به ذلك الخشب هو من أبرع الصناعات يشهد بذلك من له أقل إلمام أو ذوق من الناظرين في المحلات الخصوصية عدا ما كان من نوعه في المساجد وغيرها من المحال العامة وكله يشهد للمتقدمين من النجارين الشاميين بالبراعة والحذق. والنجارون في الشام اليوم من أشهر نجاري العالم باعتنائهم بصنعتهم، والنجار بطبيعته ينبغي له أن يكون ذكياً، لما يقتضي لصنعته من الإلمام بالهندسة والمساحة وضبط المقاييس والحساب وأن يكون على جانب من سلامة الذوق في الوضع والصنع. فالنجار الذي يخلو من هذه الصفات لا يحق له أن يصير نجاراً. إن هذا النجار الشامي الموصوف آنفاً يعمل بيده وتدل عليه آثاره في البناء الخشبي في دور دمشق وحلب وغيرهما