كانت النساجة والحياكة والغزل راقية في معظم ما عرف من أدوار الارتقاء وقلما أخرجت الشام رُذالة المتاع ورديئه، بل كانت تخرج جيده ونفيسه، وكان أهلها ولا
يزالون يحسنون غسلها ونفشها ومشطها وحلجها وفتلها ومشقها وحياكتها ونسجها. واشتهر القطر منذ القديم ببزه وقماشه وديباجه وخزه وبروده وكان للدباجين صناع الديباج والأكسية والمسوح صناعة رابحة، وإلى اليوم لم يبرح حلاجو القطن، ومنهم من يستعمل لها الآلات الإفرنجية الحديثة، ومنهم من اقتصر على القوس والنداف على الطريقة القديمة في الحلج والغزل في مغازل أولية تدار بالأيدي يخرجون بها كل ما يقوم بالحاجة.
أخذت معظم المدن والبلدان حظها من هذه الصناعات، فاشتهرت في غابر الدهر مدينة أعناك في حوران بأكسيتها الجيدة اشتهارها ببسطها، وعرفت بعلبك بثيابها المنسوبة إليها من الأحزام والمشّات وثوبها المعروف بالبعلبكي. وتأفقت شهرة الثياب البلعسية نسبة إلى كورة البلعاس من عمل حمص على الأرجح. وعرفت منبج بالأكسية التي كانت تعمل فيها وتنسب إليها فيقال الأنبجاني والأنبجاني كساء صوف له خمل ولا علَم له وهي من أدون الثياب. ومن ثيابهم الخميصة الشامية وهي بَرْنكانٌ أسود مُعْلَم من المرعزّي والصوف ونحوه أو كساء أسود مربع له علمان، وقد تكرر في الحديث الشريف ذكر الأنبجاني والخميصة. والخميصة قد تكون من الحرير والبَرَنكان والبرّكان والبرَّكاني والبَرَنكاني الكساء الأسود وجمعه برانك.
وكان يعمل في صفد من الثياب ما يقال له الصفدية. وتعمل الثياب الحفية نسبة لكورة الحفة غربي حلب. وكان لأهل رصافة هشام بن عبد الملك في غربي الرقة حذق في عمل الأكسية وكل رجل فيها غنيهم وفقيرهم يغزل الصوف والنساء ينسجن. وكانت تعمل في الشام الأكسية المرنبانية قال ابن سيده: يقال كساء مرنباني ومؤرنب فالمرنباني لأنه لون الأرنب والمؤَرنب ما قد خلط في غزله وبر الأرانب، ويقال بل هو كالمرنباني. وكانت تصنع فيخا القطيفة المخملة أي ذات
الخمل وهي المخمل.
واشتهرت حمص بمصنوعاتها من ثياب وفوط وغيرها وقيل: إن حمص تتلو