فابعث إليَّ من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كل صعب وذلول. فتربص به معاوية وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله وقد علم اجتماعهم فأبطأ أمره على عثمان حتى قتل فيما قيل.
ولم يتخلف معاوية عن مبايعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقط، بل قام يطالب بدم عثمان ويتهم عليا بقتله لأن علياً كان يحتج على الصحابة منذ يوم البيعة لأبي بكر ويقول: أنا أجدر بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي حتى قال له أبو عبيدة بن الجراح: يا ابن عم إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك، وأشد احتمالاً واضطلاعاً فسلّم لأبي بكر، فإنك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق وحقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك. وقد وقعت لعلي تأوهات في المطالبة بالخلافة وأنه بُغي عليه في ذلك وغمط حقه في عهد الثلاثة الخلفاء، ولذلك كان في تساهله بالدفاع عن عثمان وجه عند بعضهم على حين ثبت أن علياً قًرّع عثمان على التفريط وأنذره بأن عاقبته تكون القتل بقوله: أُحذرك أن تكون إمام هذه الأمة الذي يقتل فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة.
وذكر ابن حزم أن امتناع معاوية من بيعة عليّ كامتناع علي من بيعة أبي بكر،
فما حارب أبو بكر ولا أكرهه وأبو بكرّ أقدر على عليّ من عليّ على معاوية، ومعاوية في تأخره عن بيعة عليّ أعذر وأفسح مغاراً من عليّ في تأخره عن بيعة أبي بكر، لأن عليلً لم يمتنع من بيعة أبي بكر أحد من المسلمين غيره بعد أن بايعه الأنصار والزبير، وأما بيعة علي فإن جمهور الصحابة تأخروا عنها إما عليه وإما لا له ولا عليه، وما تابعهم فيه إلا الأقل سوى أزيد من مائة ألف مسلم بالشام والعراق ومصر والحجاز كلهم امتنع من بيعته، فهل معاوية إلا كواحد من هؤلاء في ذلك؟ إلى أن