فجوز أن يذهب إلى ما لم ينقل عن واحد منهم في مسألة اختلفوا فيها عن اجتهاد ولا نص فيها, ولم يرد إذا أجمعوا على قول واحد فإن الإجماع حجة في التابعين كما هو في الصحابة على المذهب الصحيح.
وقال سفيان الثوري لما بلغه ذلك عن أبي حنيفة: نتهم رأينا كرأيهم.
وكأنه رحمه الله سوى بين التابعين والصحابة في أنهم إذا أجمعوا في مسألة على قولين مثلا لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث, وجوز أبو حنيفة ذلك, وهي مسألة مختلف فيها بين الأصوليين وفيها تفصيل سنذكره إن شاء الله تعالى, وأما ما أجمع الصحابة عليه فلا كلام في أنه لا تجوز مخالفته.
فقد وضح لك من أقوال الأئمة أنه متى جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ثابت فواجب المصير إلى ما دل عليه ظاهره, ما لم يعارضه دليل آخر على ما سيأتي تحقيقه, وهذا هو الذي لا يسع أحدا غيره.
قال الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت / ويسلموا تسليما} , فنفي الإيمان عمن لم يحكم رسوله صلى الله عليه وسلم فيما وقع التنازع فيه ولم يسلم لقضائه.
وقال عز وجل: {وإن تطيعوه تهتدوا} فضمن الهِداية في طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يضمنها في طاعة غيره.