عذاب القبر ممكن وهو مما يحار فيه العقل ولا يحيله، ولو وضع صِدِّيق وزنديق في قبر واحد لكان القبر روضة من رياض الجنة على الصِدِّيق وحفرة من حفر النار على الزنديق، فإن قيل كيف هذا؟ نقول: هذا مما تحار فيه العقول وتعجز عن الوصول إليه من جميع الجهات فتسلم بعجزها لرب البريات، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) .
العلم للرحمن جل جلاله ... وسواه في جهلائه يتغمغم
ما للتراب وللعلوم وإنما ... يسعي ليعلم أنه لا يعلم
فنحن نسعى لنعلم أننا كنا لا نعلم لا لنتعلم.
ونحن نسعى ما كنا نجهله لا لنصل لدرجة العلم، لأن العلم لمن هو بكل شيء عليم (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) .
انظر إلى الإمام الشافعي عليه رحمة الله – وهذا حال أئمتنا – يقول:
كلما أدبني الدهر ... أراني نقص عقلي
وإذا ما ازددت علماً ... زادني علماً بجهلي
فحن نتعلم لنكشف جهلنا لا لنصل إلى مستوى ربنا جل وعلا، ولا يمكن أن تأتي الشريعة بما تحيله العقول، حادث الإسراء والمعراج، كونه يسرى به من مكة إلى بيت المقدس إلى السموات العلا ثم يعاد في جزء من الليل، هل هو ممكن أم مستحيل؟ وهل يتصور العقل وجوده أم يحيل وجوده؟ هو ممكن ويتصور العقل وجوده، وقد ورد به السمع وهو الذي لا ينطق عن الهوى – فيجب الإيمان به.
ولو كان مستحيلاً لا يقبله العقل لقلنا: انظروا لعل السمع ما صح، أما أن يصح السمع والعقل يحيل فهذا لا يمكن أن يقع على الإطلاق.
فمثلاً حديث [خلق الله الورد من عرق النبي صلي الله عليه وسلم] هو حديث موضوع، فهذا العقل يكذبه لأن الورد كان موجوداً قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذن العقل يحيل هذا فكيف تقولون إن الورد خلق من عرق النبي صلى الله عليه وسلم.