وهكذا كان حال صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق – رضي الله تعالى عنه – مع أنه لم ينل من الدنيا شيئاً، ولم يتغير حاله في معيشته عن حاله السابق في عهد نبينا – صلى الله عليه وسلم – وحياته، وروى البزار عن زيد بن أرقم قال: كنا مع أبي بكر الصديق – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فاستسقى، فأتى بماء وعسل، فلما وضعه على يده بكى وانتحب حتى ظننا به شيئاً، ولا نسأله عن شيء فلما فرغ، قلنا: يا خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، ما حملك على هذا البكاء؟ قال بينما أنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ رأيته يدفع عن نفسه شيئاً، ولا أرى شيئاً، فقلت: يا رسول الله، ما الذي أراك تدفع ولا أرى شيئاً؟ فقال: "الدنيا تطولت لي، فقلت: إليك عني، فقالت: أما إنك لست بمدركي" قال أبو بكر – رضي الله تعالى عنه –: فشق عليّ، وخشيت أن أكون خالفت أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولحقتني الدنيا، ورواه الحاكم في المستدرك عن زيد بن أرقم أيضاً بلفظ: كنا مع أبي بكر الصديق – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فدعا بشراب فأتي بماء وعسل، فلما أدناه من فيه بكى وبكى حتى أبكى أصحابه، فسكتوا وما سكت، ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لم يقدروا على مسألته، قال: ثم مسح عينيه، فقالوا: يا خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أبكاك؟ قال: كنت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرأيته يدفع عن نفسه شيئاً، ولم أر معه أحداً، فقلت: يا رسول الله ما الذي تدفع عن نفسك؟ قال: "هذه الدنيا مثلت لي، فقلت لها: إليك عني، ثم رجعت فقالت: إن أفلت مني فلن ينفلت مني من بعدك (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015