.. وهذه البلية من المهلكات، وقل من سلم منها من المكلفين والمكلفات، والنفس إذا تعلقت بشيء كرهت مفارقته، والخروج عنه، ومن أجل ذلك كره الناس القدوم على ربهم، لأنهم عمروا دنياهم، واستأنسوا بها، روى الدارمي في سننه، وأبو نعيم في حليته، أن الخليفة سليمان بن عبد الملك مر بالمدينة المنورة وهو يريد مكة المكرمة، فأقام بها أياماً، فقال: هل بالمدينة أحد أدرك أحداً من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم –؟ فقالوا له: أبا حازم، فأرسل إليه، فلما دخل عليه قال له: يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟ قال أبو حازم: يا أمير المؤمنين، وأي جفاء رأيت مني؟ قال: أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني، قال أبو حازم: يا أمير المؤمنين، أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما عرفتني قبل هذا اليوم، ولا أنا رأيتك، فالتفت سليمان إلى محمد بن شهاب الزهري، فقال: أصاب الشيخ، وأخطأت، قال سليمان: يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت؟ قال أبو حازم: لأنكم أخربتم الآخرة، وعمرتم الدنيا، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب.