هذه هي منزلة الصدق، وتلكم هي أقسامه العظام، وهيهات ثم هيهات أن توجد على وجه التمام والكمال في إنسان، فكل واحد منا إن لم يكن متحقق النفاق، فيحتمل كونه من أهله باتفاق، وإذا تردد حالنا بين ذينك الأمرين، فينبغي أن يعظم خوفنا من رب الكونين، والناظر في حياة سلفنا الصالح يرى تحقق ذلك فيهم رأى العين، ففي أصح الكتب الصنفة عقد الإمام البخاري – عليه رحمة الملك الباري – رباب في كتاب الإيمان، يشير إلى شدة خوف سلفنا الكرام، فقال – عليه رحمة ربنا الرحمن –: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وقال إبراهيم التيمي: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً، وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل، ويذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق، وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل عمران135.