وقوله: {لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ ما اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ} يقول: لكلّ امرىء من الذين جاءوا بالإفك جزاء ما اجترم من الإثم، بمجيئه بما جاء به، من الأولى عبد الله. وقوله: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} يقول: والذي تحمل معظم ذلك الإثم والإفك منهم هو الذي بدأ بالخوض فيه. كما:
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ يقول: الذي بدأ بذلك.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عُصْبَةٌ مِنْكُمْ قال: أصحاب عائشة عبد الله بن أبيّ ابن سَلُول، ومِسْطَح، وحَسّان.
قال أبو جعفر: له من الله عذاب عظيم يوم القيامة.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: كِبْرَهُ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار: كِبْرَهُ بكسر الكاف، سوى حميد الأعرج فإنه كان يقرؤه: «كُبْرَهُ» بمعنى: والذي تحمل أكبره.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب: القراءة التي عليها عوامّ القرّاء، وهي كسر الكاف، لإجماع الحجة من القرّاء عليها، وأن الكِبْر بالكسر: مصدر الكبير من الأمور، وأن الكُبْر بضم الكاف: إنما هو من الولاء والنسب، من قولهم: هو كُبْر قومه والكِبْر في هذا الموضع: هو ما وصفناه من معظم الإثم والإفك. فإذا كان ذلك كذلك، فالكسر في كافة هو الكلام الفصيح دون ضمها، وإن كان لضمها وجه مفهوم.
وقد اختلف أهل التأويل في المعنىّ بقوله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ ... الآية، فقال بعضهم: هو حسان بن ثابت. ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن قزعة، قال: ثنا مسلمة بن علقمة، قال: ثنا داود، عن عامر، أن عائشة قالت: ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة، قوله لأبي سفيان:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الجَزاءُ