وهذا الأثر ثابت في نزول هذه الآية لا يتعارض مع ما رواه ابن جرير في تفسيره عن عبد الله بن مسعود أيضاً، أن الآية نزلت في صنف من العرب كانوا يعبدون صنفاً من الملائكة، ويزعمون أنهم بنات الله جل وعلا، فأنزل الله هذه الآية يعيرهم ويعيبهم بها فقال {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محظوراً *} أي من تعبدونهم من الملائكة هم يعبدوني، فاتركوا عبادتهم واعبدوني كما عبدني الملائكة الكرام، وهذا الأثر كما قال عن الحافظ بن حجر إن شبت فيجمع بأن الآية نزلت رداً على الفريقين، على من عبد فريقاً من الجن ثم آمن أولئك الجن، وعلى من كان يعبد الملائكة الكرام ثم استشكل بعد ذلك فقال ظاهر الأثر يدل على أن المعبودين كانوا راضين بعبادة العابدين، والملائكة لم يرضوا بعبادة ذلك فالله أعلم بحقيقة الأمر ن والذي يظهر والعلم عند الله، أن هذا الاعتراض لا يرن، وأنه لا يلزم من عبادة المعبود أن يكون المعبود راضياً بعبادة عابده، فإذا عبد واحد من البشر من نبيٍ أو ملك لا يلزم من هذا أن يكون راضياً، فإذا كان الجن كانوا يُعبدَون في الجاهلية ثم أسلم من كان يُعبَد منهم، ففي حال جاهليتهم كانوا يرضون العباد، وفي حال إسلامهم يرفضونها، لا يعني هذا أن الإنسان إذا عبد ينبغي أن يكون راضياً سابقاً بالعبادة، لا يلزم هذا على الإطلاق، وليس في اللفظ ما يشير إلى ذلك والعلم عند الله جل وعلا، ولا يتعارض هذا مع ما ثبت في تفسير الطبري عن عبد الله بن عباس أن الآية نزلت فيمن عبدوا عيسى وأمَّه والعزير والشمس والقمر، فيمكن أن يقال أن الآية نزلت فيمَّن عبد غير الله وكان ذلك المعبود يعبد الله، فالله أكبر العابدين، أن من تعبدونهم يعبدونني، فاتركوا عبادتهم واعبدوني {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محظوراً *} .