الوقفة الثالثة: إخوتي الكرام – "كما كتب على الذين من قبلكم" وتقدم المراد من وجه التشبيه هنا: كما كتب على الذين من قبلكم – في الحكم والكيفية والوقت والمقدار أي فُرض عليكم صيام هذا الشهر وألزمتم به كما ألزمت الأمم السابقة به على وجه التمام سواء بسواء. وإنما ذكر الله هذا الأمر ضمن فرضية الصيام – كما كتب على الذين من قبلكم- لِتُوحي هذه اللفظة بعدة دلالات معتبرة.

أولها: ليحصل لنا بهم الائتساء والأسوة والاقتداء فهذه الفريضة كما فرضت على الأمم السابقة فرضت على هذه الأمة وليكون في ذلك دلالة وإشارة إلى أن كتب الله نوره وهداياته نزلت في هذا الشهر عليكم وعلى الأمم السابقة ومن أجل ذلك أُلزمتم بالصيام في هذا الشهر تعظيماً لله جل وعلا – وهكذا أُلزمت الأمم السابقة بذلك وليكون في ذلك دلالة المنافسة فكأن الله جل وعلا يقول: فرضية الصيام فرضت عليكم وعلى المسلمين قبلكم فأروني من نفسكم جداً واجتهاداً في طاعتي.. "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".

إن الأمم السابقة غيرت شريعة الله وتلاعبت في هذه الفريضة ومن تغييرها لأن الله صان كتابها من التغيير والتبديل "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" وصانها الله من أن تجتمع على صلالة أو خرافة فلن يزال في هذه الأمة طائفة ظاهرون على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله. كرامتان أكرم الله بهما أمة نبيه عليه الصلاة والسلام ما حصلت منهما واحدة للأمم السابقة: حفظ الكتاب وعدم اجتماع الأمة على ضلالة "كما كتب على الذين من قبلكم".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015