الأمر الثاني: غنى الرب – جل جلاله – الذاتي، يدل على كماله وجلاله، وعلى كون المخلوقات بأسرها في قبضته، وتحت تصرفه، فالفقر ذاتي لها، لا ينفك عنها، قال الله – تبارك وتعالى - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} فاطر15 قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – بين سبحانه وتعالى في هذه الآية أن فقر العباد إليه أمر ذاتي لهم لا ينفك عنهم، كما أن كونه غنياً حميداً ذاتي له، فغناه وحمده ثابت له لذاته لا لأمر أوجبه، وفقر من سواه إليه ثابت له لذاته لا لأمر أوجبه، فلا يعلل هذا الفقر بحدوث ولا إمكان، بل هو ذاتي للفقير، فحاجة العبد إلى ربه لذاته لا لعلة أوجبت تلك الحاجة، كما أن غنى الرب – سبحانه وتعالى – لذاته، لا لأمر أوجبه غناه، فالفقير بذاته محتاج إلى الغنيّ بذاته، فما يذكر من إمكان وحدوث واحتياج فهي أدلة على الفقر لا أسباب له، ولهذا كان الصواب في مسألة علة احتياج العالم إلى الرب – سبحانه وتعالى – غير القولين اللذين تذكرهما الفلاسفة والمتكلمون، فإن الفلاسفة قالوا: علة الحاجة: الإمكان، والمتكلمون قالوا: علة الحاجة الحدوث، والصواب أن الإمكان، والحدوث متلازمان، وكلاهما دليل الحاجة والافتقار، وفقر العالم إلى الله – جل وعلا – أمر ذاتي لا يعلل، فهو فقير بذاته إلى ربه الغني بذاته (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015