حقق ذلك الفرض وقام به على وجه الكمال والتمام وهؤلاء هم عباد الرحمن المخلصون الصديقون وهم أولياء الحي القيوم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهم الذين عناهم الله بقوله {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} ، وهم المعنيون بقول الله عز وجل: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام} ، وهي عبودية الاختيار وليس عبودية الاضطرار فكل من في السموات ومن في الأرض عبد لله على رغم أنفه شاء أم أبى، جاء إلى هذه الحياة على غير اختياره، وسيخرج منها على غير اختياره، ولا يملك لنفسه فضلا عن غيره نفعا ولا ضرا: {إن كل من السموات والأرض إلا آت الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} ، لكن الشأن في تحقيق عبودية الاختيار للعزيز القهار أن تفرده بالعبادة وحده لا شريك له، وأن تجعل هواك تبعا لشرع نبيه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
هذه العبودية هي التي نوه الله بذكرها في حق نبيه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه في أشرف المقامات التي حصلت له فقال جل وعلا: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين} .
حقق العبودية لربه جل وعلا على وجه التمام حب كامل وذل تام وهكذا قول الله: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا} .
وهكذا قول الله {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} .